أرشيف ‘المقالات و البحوث التاريخية’ التصنيفات

مصطفي محمود .. بحّار العلم والإيمان

التعليقات مغلقة
مصطفي محمود..
بحـــّـــــــــار العلم والإيمان

من هو ..
هو الطبيب والأديب والمفكر المصري مصطفي محمود .. صاحب الرصيد الضخم من الأعمال الروائية والفكرية التى أكسبته مكانته فائقة التميز بين مفكرى عصره ..
بدأ رحلته مع الحياة العملية طبيبا متخصصا فى طب وجراحة الأعصاب . ومع بداية الستينات اتجه لنشاطه الروائي على نحو أكثر تركيزا فقام بالتفرغ تماما للأعمال الأدبية وصدرت أعماله المتنوعة فى أكثر من اتجاه .. بدء من القصة القصيرة والرواية والمسرحية وأدب الرحلات والأعمال الفكرية المختلفة خاصة مع اتجاهه الى قلعة دار أخبار اليوم ودار المعارف .. لا سيما بعد أن اكتسب الشهرة الواسعة كشخصية متعددة الأبعاد ومفكر من طراز خاص جدا ..

رحلة الفكر والايمان ..
فى بداية نشاط الدكتور مصطفي محمود الفكرى فى مطلع الستينيات .. كانت الأمواج قد تجمعت خلف السدود فى العالم أجمع مع الصراعات العنيفة الساخنة والباردة بين أقطاب العالم الجديد الذى انخرط الى أبعد مدى ممكن فى محاولة فرض المذاهب واستقطاب الدول تبعا للفكر الاستعمارى الجديد القائم على الاستعمار المذهبي والاقتصادى ..
كانت الساحة تحتدم بالصراع بين الشيوعية الممثلة فى الاتحاد السوفياتى .. والرأسمالية المتمثلة فى الفكر الأمريكى .. اضافة الى الصحوة اليهودية بدعوتها الصهيونية المتمثلة فى المؤسسة اليهودية أو ما يعرف باسم المجلس الصهيونى العالمى الذى أسسه تيودور هيرتزل وتبنى بناء الحلم على أرض الواقع .. لتخرج الى الوجود دولة بنى صهيون على الفكر العقائدى الموظف لأغراض سياسية فى مزيج لم يتحقق الا لاسرائيل .. والتى نبتت كشوكة فى ظهر العالم العربي ..
وفى العالم العربي .. ومصر المعبرة عنه بصفتها التاريخية والقيادية الطبيعية .. كان الصراع على أشده بين الاشتراكية التى نادى بها عبد الناصر متبعا خطوات الشيوعية نوعا ما .. وان كان قد حاول ابعاد تلك الفكرة بقيامه بمحاصرة الأحزاب اليسارية المصرية وضربها ..
وطرف الصراع الآخر الممثل فى دعوة الأصولية الاسلامية والتى قامت بها فى ذلك الوقت جماعة الاخوان المسلمين ..
وكما هو معروف كان الصراع دمويا رهيبا .. لا سيما وأن الدعوة الأصولية التى انتهت الى الاخوان كانت تجد الفكر الاسلامى قد انحصر فى دور العبادة وغاب غيابا تاما عن ساحة العمل السياسي المحتدمة بين الشيوعية والرأسمالية ..
وكان مجمل نظرة الاخوان الى تلك الدعاوى كلها بما فيها الدعوة العلمانية التى استقطبت كبري الدول الاسلامية .. وموضع الخلافة العثمانية .. والتى احتلتها علمانية أتاتورك
فى ظل هذه الظروف كان الفكر مشتتا .. والمفكرين الشبان الجدد والذين مثلوا طليعة الفكر المصري مثل مصطفي محمود وخالد محمد خالد .. وجدوا أنفسهم فى قلب البحث عن هوية ضائعة بين ما هو عربي وما هو اسلامى بعد انفصال المفهومين بفعل التنابذ بين أطراف الحكم العربي ..
ومع تراجع الفكر الاسلامى المستنير الذى بدأ مع القرن الماضي .. وكان سبب التراجع منطقيا بتداعى الحوادث لغياب رواد التجديد من علماء الأزهر اضافة الى تراجع قوة الاخوان المسلمين بفضل ضربات النظام الحاكم التى لم تهن ضدها ..
ولم يبق من رواد الفكر الاسلامى المستنير علماء محاربون مثل المحدث احمد شاكر والشيخ الشنقيطى وعلى بعض دربهم عباس العقاد والرافعى .. ولم يكن باستطاعتهم فى مناخ العداء الحادث أن يتفوه الا رمزا ..فالرافعى اتجه الى التاريخ والأدب والعقاد حصر نفسه فى الحديث عن التاريخ الاسلامى القديم دون اسقاط على الواقع الحال ..
وان كانت بعض كتاباته المميزة والنادرة أعطت دفعه مناسبة الى حد ما فى الدفاع عن الدولة الاسلامية وطعن المذاهب التى نادى بها من يطلقون على أنفسهم تقدميون .. مثل كتابه .. ” لا شيوعية ولا استعمار ”
الا أن المفكرين الجدد .. وجدوا أنفسهم رغما عنهم فى ظل الصراع الضباب الحادث .. ينزلقون الى معترك التدافع عن الاسلام والتماس الدعاوى القائلة بعدم صلاحية هذا الفكر للعالم المتقدم ..
فوقع خالد محمد خالد فى بداياته أسيرا للفكر الشيوعي .. وخرجت بعض كتاباته تطعن دون قصد فى الفكر الاسلامى وفكرة الدولة الاسلامية وهى الكتابات التى تبرأ منها فيما بعد بعد أن عاد لجادة الصواب .. وأصبح أحد أنبغ رموز الفكر الاسلامى فى تاريخه ..
وكذلك مصطفي محمود .. وان كان انزلاقه تمثل فى هاوية العقيدة والوجود الالهى …
ومع تزمت الردود والاتهامات ..
انفرد مصطفي محمود بنفسه وفكره وخض أصعب رحلاته على الاطلاق .. من الشك الى الايمان وهى التجربة التى خرج منها ليصبح عملاق العلم والايمان وعبر عن مرارة التجربة وقسوة الرحلة فى كتاباته .. منها ” رحلتى من الشك الى الايمان ” و” حوار مع صديقي الملحد ” و ” الوجود والعدم ” و” الله ” ..
ونجا مصطفي محمود من أخطر مزالق حياته على الاطلاق ..

مفكر .. نسيج وحده ..
المتأمل فى هذا المفكر العبقري .. والنصف حقيقة لمكانته .. يجده واحدا من أندر العقول المصرية والعربية على الاطلاق .. مفكر من طراز شديد الخصوصية .. يطالع بعين الباحث ما حوله .. ويخرج ما لديه الى القراء وجموع مشاهديه .. فيستوعب البعض .. ويعجز البعض الآخر ..
فمن ناحية براعته الروائية والقصصية .. لا حاجة بنا الى اطالة الحديث عنها .. فهى مجال قابل للاستيعاب .. ومدى تمكنه وموهبته فى الصياغة تشهد بذلك ..
كما فى كتابه ” حكايات مسافر ” أو ” أكل عيش ” .. أو روايته ” رجل تحت الصفر ”
أما ما يستدعى التوقف عنده فهو أعماله .. فهو ما أخرجته جعبة الفيلسوف والمفكر الاسلامى فى شخصية مصطفي محمود ..
فان راعينا الانصاف عند الحكم على رحلة الرجل فى الكتابة والدفاع عن الاسلام .. لوجدناه قد أخرج لنا أثرا لا يقل بأى حال من الأحوال ان لم يزد على أثر كبار المجاهدين ودعاة الاسلام المميزون ..
فبداية .. تمكن مصطفي محمود وباعتراف الشيوعيين والماركسيين أنفسهم من زلزلة الحركة اليسارية العالمية والمصرية على وجه الخصوص بعد ضربات قاصمة تدرعت بالمنطق الأخاذ فى هدم تلك الدعاوى .. ولم يكن ذلك عسيرا مع الطريقة التى اتبعها مصطفي محمود فى ضرب الشيوعية فقد عكف أولا على دراستها باستفاضة وسعة صدر وعبر كتابها أنفسهم ليستخرج منها الباطل الذى تزيي بزى الحق وأعجزهم عن الرد تماما .. ولم يجدوا أمامهم الا الوقوف فى صف المواجهة القذرة ضده فشنوا عليه حربا من نوع آخر لا صلة لها بالفكر ..
وهى حرب التشنيع واتهام العمالة المألوف فى العالم العربي .. فاتهموه بالعمالة للولايات المتحدة غير أنهم فشلوا وسقطوا سقوطا ذريعا .. كان أهم أسبابه أنهم افتقروا الى الذكاء تماما فى انتقاء الشائعة .. لأن مصطفي محمود ضرب الرأسمالية الأمريكية وسياسة المال والأعمال فى حكم العالم والهيمنه المطلقة بنفس المقدار الذى هاجم به الشيوعية وربما أشد ..
اضافة الى الشعبية الجارفة التى يتمتع بها الرجل فى وطنه وبين قرائه ..
وتعد كتاباته ضد الماركسية علامات كبري لمن يريد الفائدة واكتشاف التناقض التى وقعت فيه .. منها على سبيل المثال ” الماركسية والاسلام ” و” لماذا رفضت الماركسية ”
وتأتى مجموعة مقالاته المجمعة والمنشورة عن دار أخبار اليوم كمثال صادق على مهاجمته للغرب السياسي الأمريكى مثل كتابه ” الغد المشتعل ” و ” على حافة الانتحار ”

وبالتزامن مع هجومه الدائم على المذاهب الفكرية المعادية أخرج مصطفي محمود للمكتبة العربية علامات كتاباته فى الدعوة والتبصير بالاسلام .. مثل كتابه ” القرءان كائن حى ” وكتابه ” القرءان .. محاولة لفهم عصري ” وكتابه ” الله والانسان ”
أضف لذلك برنامجه الشهير بالتليفزيون المصري ” العلم والايمان ” فحلقاته تقف شاهدة على رسالة الرجل الذى كان من أوائل دعاة المسلمين تبصيرا بمدى التطابق القرآنى بمعجزات العلم الحديثة فيما عرف باسم الاعجاز العلمى للقرءان .. ذلك البرنامج الذى حاز شعبية ساحقة لما يتميز به العالم والمفكر مصطفي محمود من سلاسة فى الشرح .. وعذوبة فى الالقاء .. وبراعة فى التعليق على المواد الفيلمية التى يضمنها برنامجه ..
ذلك البرنامج الذى توقف لسبب مجهول !!
واستكمالا لدعوته .. مزج مصطفي محمود كتاباته الاسلامية بالفكر السياسي وأسلوب الخروج من عنق الزجاجة التى أمسكت برقبه التقدم العربي .. فقدم العديد من المقالات التى تعالج قضايا السياسة العربية وتقدم حلولا خلاقة لمأزق السياسة العربية .. ولو حان الحين لاستيقاظ العرب من سباتهم فستكون كتابات هذا الرجل هى النجم والدليل الذى يهتدى به المصلحون ..
هذا بالطبع ان خلصت النوايا ..
تلك الكتابات التى تقدم حلولا عملاقة .. وتبسط الطريق لمن يريد الخروج من دوامة العبودية .. وكان مصطفي محمود .. من أوائل وأكثر المفكرين تشجيعا للعرب على استخدام الردع النووى فى أسلوب التفاوض والدفاع ..
تلك الدعوة التى لو تحققت لما احتاج العرب الى استخدام هذا السلاح قط .. فالقوى الدولية تدرك تماما أن السلاح النووى لا يصلح بأى حال من الأحوال كسلاح حربي .. بل خلف فقط للردع ..
وقدم الرجل فكره على أساس واقعى عندما ساق الدليل على هذه القاعدة الدولية غير المعلنة فالسلاح النووى تم استخدامه لمرة وحدة فقط .. وكان استخدامه فوق هيروشيما ونجازاكى للمرة الأولى والأخيرة للتبصير ليس أكثر ..
ومن الولايات المتحدة انتقل السلاح الى الاتحاد السوفياتى عبر أحد علماء الطاقة الذرية الأمريكية المعروف باسم ” روزنبرغ ” فى القضية الشهيرة التى حملت اسم الرجل..
ثم انتقل لفرنسا .. وبعدها انجلترا .. واسرائيل .. والصين وهم أكبر أعضاء النادى اللنووى
ثم تداعت الحوادث وانكسر الحجاب السري عن الشيطان النووى ولم يعد أحد بحاجة الى معرفة سر الختم لاستخراجه من قمقمه .. فقامت الهند بتجربتها النووية لاخافة وردع باكستان التى ردت باجراء تجربتها النووية أيضا ..
ولم تعد التحذيرات والمقاطعات الحروب تمارس ضد من يحوز الأسلحة النووية .. بل ضد من تريد القوة العظمى تلفيق هذا الاتهام له لضربه ..
أما من يمتلك السلاح النووى بالفعل .. فلا تجرؤ الدعاوى العظمى على الاقتراب منه فعليا أو استفزازه عسكريا .. وكوريا الشمالية تلك الدولة الصغيرة .. ذات الارادة خير شاهد على ذلك لأنها امتلكت السلاح النووى بالفعل وأعلنته .. فلم تستطع اللبؤة الأمريكية الاقتراب منها

كانت هذه القضية احدى قضايا المصير لمصطفي محمود ..
لكنها لم تصادف للأسف الشديد أدنى استجابة من أولى الأمر .. وعلى العكس تفاعل معها الجمهور العريض فى المحيط العربي المقهور ..
الأزمة والاعتزال
من الصعب أن ينزلق مفكر عبقري مثل الدكتور مصطفي محمود فى أزمة مثل تلك التى كادت تقضي على شعبيته ومكانته وتاريخه نهائيا ..
كانت أزمة والحق يقال صادمة وقاتلة لمحبيه ومريديه وتلاميذه الذين تعودوه منطقيا ومبارزا فكريا دوما يتمنطق بسيف المنطق .. ويدافع بمجن القناعة ..
تعودوه لا يوغل أبدا فى معركة فكرية الا وقد أشبعها دراسة وتمحيصا ليتمكن من الرد والدفاع عن وجهة نظره فيما بعد ..
الا أن أزمته الأخيرة والمعروفة باسم أزمة كتاب الشفاعة والتى وقعت عام 2000م ..
كانت المعركة التى لم يحسن الدكتور مصطفي محمود الاستعداد لها .. فأتت الهزيمة مؤلمة وصادمة
كانت البداية مع صدور كتاب بعنوان ” الشفاعة ” للمفكر الاسلامى الكبير مصطفي محمود .. وتلقفه القراء والناقدون .. وطالعوا فكرة الكتاب التى تتلخص فى أن الشفاعة التى سوف يشفع بها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته .. لا يمكن أن تكون على الصورة التى نعتقدها نحن المسلمون ويروج لها علماء وفقهاء الشريعة والحديث !!
حيث أن الشفاعة بهذه الصورة تمثل دعوة صريحة للتواكل الممقوت شرعا .. وتدفع المسلمين الى الركون الى وهم حصانة الشفاعة والتى ستتحقق لنا لمجرد الانتساب الى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ..
وعليه ظهر مصطفي محمود وكأنه منكر لوجود الشفاعة من أساسها .. !!
وانفجرت الثورة فى وجه مصطفي محمود من جميع الاتجاهات ..
وكان الريح كلها تصب فى غير صالحه لعدة عوامل جوهرية ..
الأول ..
أن مصطفي محمود لم يكن ذلك المفكر الذى يتعرض بالنقد لمجال عميق كالسنه المطهرة وهو خال من التأسيس المعرفي الكامل بجوانبه .. لكنه ارتكب اخطأ على حين غفله وأغلقت أمامه أبواب الرجوع مع الغضب العارم الذى قاده المفكرون الاسلاميون والفقهاء ..
فعلم الحديث لم يكن مذهبا انسانيا يحتوى أوجه القصور الطبيعية التى تتواجد فى أى عمل انسانى ,, كالشيوعية مثلا .. بل كانت السنة مذهبا دينيا وتشريعا سماويا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قائما فيها بدور الناقل المعبر فحسب .. وبالتالى فان تناولها يجب أن يكون ممن قضي عمره فى دراستها .. وهو مالم يتحقق لمصطفي محمود مهما تأتت له قدرة الاطلاع .. لأن الاطلاع منفردا وان زاد لا يفيد أمام التخصص بأى حال من الأحوال
الثانى ..

قام مصطفي محمود بمناقشة منطقية الأحاديث النبوية الشريفة التى تناولت الشفاعة وأخضعها للمنطق واللامنطق .. وعليه فهو يبدى عدم اقتناعه بصحة هذه الأحاديث ناسيا أن مسألة الجزم بصحة الأحاديث علم مستقل بذاته .. وله قواعده القاسية فى تصنيف الأحاديث اعتمادا على التصنيفات الثلاث المعروفة .. وهى الأحاديث المتواترة وهى مجزوم بصحتها .. وأحاديث الجمهور وهى الأقل مرتبة وان كانت تغلب عليها الصحة ,وأحاديث الآحاد وهى التى تتأرجح بين الصحة والبطلان .. ويأتى أخيرا فرع مستقل للأحاديث الغير صحيحة أو الضعيفة ..
كل هذه القواعد لم تكن وليدة الساعة .. بل هى علم متواتر ومعتمد على الصحاح الست لكبار فقهاء الدين الاسلامى كالبخارى ومسلم وبن ماجه والترمذى والنسائي .. اضافة الى عالم الأحاديث الضعيفة العلامة الألبانى رضي الله عنهم ..
الثالث..
كان مصطفي محمود فى معاركه الفكرية يكتسب الى جواره العشرات من تلامذته وقرائه ورفاق الفكر .. غير أن هؤلاء انقلبوا عليه جميعا بواقع الحال بعد صدور الكتاب الأخير الذى تضمن ما لم يكن كافيا لاكتساب جمهوره لجبهته ..
وهكذا كانت المعركة ضارية .. وبالقطع خسر فيها مصطفي محمود بحكم الجمهور الذى تأمل ردود علماء الشريعة الكبار على كتابه .. وكانت الردود قد تجاوزت أربعة عشر كتابا أهمها على الاطلاق كتاب الأستاذ الدكتور محمد فؤاد شاكر أستاذ الشريعة الاسلامية بجامعة عين شمس والمفكر الاسلامى الشهير والذى رد على انكار الشفاعة ردا مفحما وقاسيا للغاية على المفكر ..
وحاول مصطفي محمود الصمود والانتصار لفكره .. غير أن الدفاع فى معركة خاسرة لم يكن ليجدى
وحاول التراجع الا أن هذا التراجع تأثر كثيرا .. بالرغم من أنه لم يكن يقصد اساءة للدين الذى قضي جل عمره حاملا راية الدفاع عنه .. مع الضوضاء المثارة والجو العام ضده ..
وفيما بعد .. كشف مصطفي محمود خطأه فى التناول الدقيق لعلم ليس خبيرا به .. ودافع عن تصرفه بحرية الفكر والرد والاعتراف بالخطأ .. الا أن تواجد الكثيرين من أعدائه أغلقوا عليه هذا الباب .. ونسي الجميع فى حمى الهجوم على الرجل .. أنهم بصدد خطأ حقيقي بيد أن الخطأ مردود .. ولا وجود لكتم حرية السؤال والاجتهاد .. طالما أن طريق العودة مفتوح الى الصواب لا سيما وأن المخطئ رجل فى حجم مصطفي محمود وتاريخه المشرف فى الدفاع والذود عن الاسلام وفكره وتاريخه وبطولاته ورسالته ..
وكانت المعركة كما لو كانت موجهة الى داعية شيوعية أو صهيونية ..
نسي الجميع أن الفارق ضخم بين الخطأ والجريمة ..
فالخطأ مغفور بتصير المخطئ لأنه كان حسن النية لا سيما فى الفكر الذى يعج بالتساؤلات الحرجة
أما الجريمة فهى تعمد الخطأ والترصد فيه بدافع خصومة قائمة كما فعل دعاة المذاهب الفكرية
المضادة للاسلام وكما فعل المستشرقون فى دراستهم للاسلام طمعا فى الوصول الى نقطة ضربه من داخله ..

وللأسف .. أدركت الدكتور مصطفي محمود العلة الشديدة من ضراوة الهجوم وجحود التراجع عن الخطأ .. وزاد من ذلك عوامل الزمن وتقدم العمر وذبول حيوية التأليف والكتابة ..
فاعتزل تقريبا الا من قليل من المقالات المحدودة فى مجلة ” الشباب ” المصرية وبجريدة الأهرام القاهرية ..
ومما لا شك فيه .. أنه خسارة فادحة والله لرجل بلغ القمة فى نبل الفكر وصدق النية ومضاء العزيمة والارادة والابداع ..
هذه لمحات بسيطة عن الرجل الذى أثار الدنيا .. ووهب نفسه فداء لعقيدته وفكره .. وأثري مجالات العلوم الانسانية بما لا يستطيع انكاره الا أعمى أو مكابر ..
بارك الله فيك ولك أيها العالم الكبير .. والمفكر القدير .. وغفر لك زلتك .. وجعل تاريخك فى ميزان حسناتك .. يوم تلقي الجزاء الحسن ان شاء الله عند من لا يظلم ولا يقسو

هل التاريخ مجموعة أكاذيب متفق عليها ؟

التعليقات مغلقة

نقطة النقاش هنا هى مصداقية عبارة نابليون بونابرت القائلة ..
التاريخ مجموعة أكاذيب متفق عليها !
وأرجو أن تتسع الصدور لشرح هذه النقطة وما يتعلق بها
فى البداية وقبل الدخول بالموضوع الرئيسي يجدر بنا لفت النظر لقضية بالغة الأهمية وهى المظهرية الثقافية التى تحكم بعضنا وحسن النية الذى يحكم البعض الآخر فيسعى خلف الفكر الغربي وأقواله المأثورة ـ وبعضها يستحق الإعجاب ـ
وتجده يعجب بها لما تتميز به من بلاغة اللفظ والتركيب ومن ثم يعجب ويقتنع بالمحتوى دون تدقيق فيه لكشف عواره وإفلاسه
والأمثلة أكثر من أن تحصي فى هذا الشأن لا سيما بعد تسلط العلمانية فى قلب المؤسسات الثقافية الرسمية فى أنحاء الوطن العربي وفى مختلف وسائل الإعلام فصارت أقوال فلاسفة الغرب ومفكريهم هى الجامع المشترك الأعظم عند استشهاد الكتّاب بقول مأثور ..
وعفا الزمن على الحكمة العربية التى تذخر مراجعنا بها على نحو يكفي لتأسيس تاريخ عشرة أمم !

ولسنا نطلب الكثير عندما نلفت النظر إلى أن الحكمة موطنها عربي لا سيما بعد نزول الإسلام ..
وأن حضارة الإسلام حضارة بيان لا حضارة بنيان وهى الحضارة الوحيدة فى نوعها ولونها فمن البديهى أن تصبح حضارتنا أولى الحضارات بالكلمة وفيها القرآن الكريم والسنة النبوية وتاريخ لا ينتهى من الحكماء وأقوالهم التى ما تركت مجالا لم تبدع فيه شعرا ونثرا
والمثقفين الشبان والكبار ملتزمون بضرورة تأسيس فكرهم على الحكمة والفكر العربي من باب أولى قبل طرق الفلسفة والفكر الغربي حتى يتمكن من تفنيد الصحيح من السقيم .. الخيالى من الواقعى
وليس من الفخر كما يظن دعاة التمدن أن نمد بأعيننا إلى ثقافة الغير ونحن لم نلتفت لحظة ـ ولو من باب الحياء ـ إلى ثقافتنا نحن .. وأذكر كلمة إمامنا الجليل محمد متولى الشعراوى رحمه الله عندما تحدث فى هذا الشأن فتحسر على إهمالنا وجهلنا بآدابنا رغم عظمتها المطلقة
ومن العار أن تحفظ أقوال روسو ومونتسكيو ونيتشه وجون شتاينبك .. وعندما يسألك سائل عن الفارابي والغزالى والشافعى وإخوان الصفا وبن رشد وبن خلدون تقلب كفيك فى حيرة وتنصرف عن السائل
ولو أننا ضربنا مثلا بسيطا لفوارق المعالجة العربية والغربية لمجالات الحكمة فى الأقوال الغربية لاكتشفنا مدى اتساع المسافة بين القدرة العربية على التوصيف والبلاغة وبين مثيلتها فى الغرب
ففي حكمة لجورج إليوت يقول
{ لايقترب إلينا الشيطان من تلقاء نفسه بل نحن الذين نغريه }
وهى حكمة فانتازيا لا مقصود منها فى الغرب إلا المخالفة للبروز لأن محتواها يدل على ضحالة الإدراك
ولو عاملناها ـ بعيدا عن الإعتقاد ـ وكحكمة محضة سنجد أن المعالجة العربية أوفق بكثير جدا .. مثلا قول الشاعر
إنى ابتليت بأربع ما سُلـطـــوا ×× إلا لتعظم بليتى .. وشقائـــــي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ×× كيف الخلاص وكلهم أعدائي

وهناك حكيم أوربي آخر هو فينيلون ينسب إليه قول عن الصداقة محتواه
{ اذا أردت ان تتعرف الي إنسان راقب اصدقاءه فكما يكونون يكون————}
ولن نقول أنه سرقها من الحكمة العربية لكننا نكتفي أن نقول أنه اقتبسها منها !
لأن الحديث المنسوب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده وعمر الحديث أربعة عشر قرنا يقول
{ المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل }
ومن شعر الإمام على رضي الله عنه قوله
احذر خليلك واصطفيه تفاخرا ×× إن القرين إلى المقارن ينسب
وهناك حكمة شهيرة منسوبة إلى شكسبير يقول فيها
{ علي الصديق ان يحمل عيوب صديقه——————- }
وكما هو الحال أيضا من سابقتها مأخوذة من نص قول مأثور لجعفر الصادق رضي الله عنه مع فارق البلاغة والشمول والمعالجة البديعة للحكمة العربية يقول فيه
{ إلتمس لأخيك العذر إذا بلغك منه شيئا تنكره .. فإن لم تجد فقل لعل له عذرا .. ولا أعرفه }

وحكمة أخرى منسوبة لبنجامين فرانكلين تقول { أصدقاء جهلاء خير من أعداء عقلاء }
و نجد الحكمة العربية تسبق فتقول { عدو عاقل خير من صديق جاهل } ونجد شعر الخيام الذى عرّبه رامى يسبق هذه الحكمة فى الصياغة والبراعة والمحتوى فيقول
عاشر من الناس كبار العقول ×× وجانب الجهال أصحاب الفضول
واشرب نقيع السم من يد عاقل ×× واسكب على الأرض دواء الجهول

وفى ضوء هذه الأمثلة نعود لمقولة نابليون التى يقول فيها
{ التاريخ مجموعة أكاذيب متفق عليها ! }
والتى توازى أيضا مقولة أخرى يعبر عنها بعض المثقفين وتقول { ويل لتاريخ الأمم المهزومة إذا كتبته الأمم المنتصرة }
هذه العبارات إن جازت صحتها فى التاريخ العريق للغرب والعرب فسنجد أنها خرجت بسمات غربية وتعبير عن واقع غربي وجلبها بعض المثقفين للتعبير عن عموم التاريخ العربي دونما لحظة من تروى وتدقيق
فتلك العبارة تجرى فقط فى شأن تاريخ الغرب منذ عهد أقدم حضاراته وحتى نهاية عصر التخلف أو العصور الوسطى حيث كانت كتابة التاريخ وغيرها وسائر الشئون رهن الإهمال حينا ورهن الإجبار والخرافات أحيانا
فالمتأمل فى التاريخ العربي السحيق يجده عبارة عن أشلاء لخرافات مفتقدة للدليل والإسناد والتوثيق ويعترف محققو التاريخ الأوربي أن الإنقطاع فى الروايات والإسناد فى مجال التاريخ ومجال الكتب السماوية عندهم يبلغ حوالى 400 عام كاملة بين الراوى وبين المدون !
أى أنه تاريخ مزيف ـ أيا كان السبب ـ تزييفا لا شك فيه
ومن ثم تنطبق العبارة أولا بحذافيرها على تاريخ الغرب القديم وحتى القرن السابع عشر ,
والذى بدأت معه عصر النهضة الأوربية وبدايات الصحوة الفكرية وصنعت توثيقا مأمونا لحد كبير لا سيما فى القرن التاسع عشر والعشرين حيث أصبحت تصرفات الحكومات وتدوين الأحداث رهن للتحقيق المستمر والتوثيق الكامل ، وهناك بالطبع تفصيلات وأسرار تظل مزيفة مدة طويلة لكنها بقانون الوثائق المطبق بالغرب تخرج بشكل حتمى بعد مرور زمنها ومن ثم أصبح التاريخ الغربي فى آخر ثلاثة قرون فقط تاريخا جادا

أما التاريخ العربي فيختلف فى هذا الأمر اختلافا جذريا وكاملا
إذ أن الثبات الذى يميزه منذ بداياته وحتى منتصف القرن العشرين تقريبا يعد ثباتا بلغ النسبة القصوى من الصحة وهو ما يغفله الكثير من المثقفين منقطعو الصلة بالتراث العربي وأسلوب التدوين والتوثيق الذى اتبعه العلماء والمؤرخون والفلاسفة العرب وبذلوا فيه جهدا غير مسبوق
وذلك لعدة عوامل أهمها
* وجود الإسناد الصحيح للروايات التاريخية وللتشريعات الدينية مروية باتصال مستمر لا انقطاع فيه مطلقا , ويعود هذا إلى ابتكار علماء السنة النبوية المطهرة لعلم الرجال أو علم الإسناد { الجرح والتعديل } والذى ظهر فى القرن الثانى الهجرى كعلم ذو قواعد راسخة حيث كانت الروايات الحديثية ومن بعدها التاريخية بل وحتى الطرفة العربية تروى بإسناد متصل من الراوى الذى يتحدث بها وحتى تصل بالإسناد إلى قائلها الأصلي مهما بعدت السنون
وبظهور علم الإسناد موثقا وذو قواعد مكتوبة فشلت كل عمليات الدس والتشويه وتم كشفها جميعا عن طريق التحقيق الدقيق الذى بهر بعض المؤرخين من المستشرقين مثل مرجليوث الذى قال { ليهنأ المسلمون بعلم حديثهم }
ولم يكن الإسناد يتميز بالإتصال فقط بل إن المعجزة الحقيقية تكمن أن رواية الحديث والتاريخ كانت متروكة للمتخصصين فقط وهم على نوعين ، رواة الأحداث ، والمحققون من العلماء ،
فكل رواية ترد على لسان واحد من الرواة يتم الرجوع قبل قبولها إلى السيرة الذاتية لهذا الراوى وملاحظة حاله من الصدق أو الكذب والقوة والضعف قبل الحكم والأخذ بالرواية على أنها صحيحة أو باطلة ، وتكون مراجع علم الرجال هى المرجع الذى يتم تدوين أقوال العلماء بشأن أحوال الرواة وهم بالآلاف احتوتهم مراجع ضخمة جدا أشهرها مجموعة تاريخ البخارى الكبير والأوسط والصغير ، وكتاب تاريخ دمشق البالغ الضخامة والذى ألفه ووضعه العالم المحقق بن عساكر على نحو أبهر معاصريه حيث قام بتسجيل السير الذاتية وأقوال الناس فى حال كل راوى ووضع لكل منهم ترجمة سواء كان هذا الراوى دمشقيا أو وافدا إلى دمشق أو حتى جاء مارا بها ، حيث كان بن عساكر يقوم بالرحيل لموطن الراوى الوافد والسؤال عن حاله هناك !
وهناك أيضا تهذيب الكمال للعلامة المزى ووفيات الأعيان لبن خلكان وغيرها
* والعامل الثالث الذى لا يقل أهمية أن التاريخ تم تدوينه للعصر الإسلامى على نوعين من التدوين الأول قائم على تسجيل جميع الروايات حتى الخاطئة والمزيفة منها مع إسناد كل رواية لقائلها ويكون التعامل مع هذا النوع بمطالعة الروايات جميعا ومطابقة وتحقيق أحوال الرواة للتأكد من صحتها أو عدمها ، وأشهر مرجع من هذا النوع هو تاريخ الأمم والملوك للعلامة المفسر بن جرير الطبري والذى لا يستطيع أن يطالعه إلا كل مدقق محقق نظرا لأنه قام بتسجيل سائر الروايات مكتفيا بوجود مصادرها تاركا للقارئ الباحث مهمة التحقيق وأيضا مثل كتاب الكامل فى التاريخ للعلامة بن الأثير
والنوع الثانى وهو التاريخ المحقق بالإسناد الصحيح فقط أو التاريخ المحقق بالنقد وكلاهما يعتبر مرجعا موثوقا به حيث يقوم المؤرخ بوضع رأيه ونتيجة بحثه للروايات الواردة بتاريخه ونقدها نقدا سليما يبين الصحيح من الضعيف ومن أمثلة تلك المراجع البداية والنهاية لبن كثير والمنتظم فى تاريخ الملوك والأمم لبن الجوزى وتاريخ الإسلام لشمس الدين الذهبي وكان آخر مرجع للتاريخ مروى بالإسناد المحقق هو تاريخ الإسلام الذى كتبه العلامة المحدث أحمد شاكر فى مصر فى منتصف القرن العشرين
* العامل الرابع لثبات التاريخ الإسلامى وهو يتعلق بتعدد أجيال المؤرخين فى كل عصر وعلى هذا تنهدم حجة القائلين أن الأمم المنتصرة كالعباسيين كتبت التاريخ مزورا لصالحهم
وهو قول يفتقد إلى أدنى معرفة بالمراجع المحتوية على التاريخ الإسلامى لأن العهود استطالت فضلا على أن علماءنا الكبار لم يرضخوا للضغط فى تسجيل الحوادث بمنتهى الصدق غير عائبين بما يصيبهم من جراء ذلك
وأكبر دليل على ذلك أن المراجع التى تمت كتابتها فى عهد العباسيين وتحت سلطانهم احتوت على أشد النقد للعهد العباسي منذ عهد السفاح وحتى عهد المعتصم ونقدوا كل حاكم بما عليه وما له وبينوا جرائمه إن وجدت ، مثال ذلك تهمة إراقة الدماء التى لحقت بالسفاح أول خلفاء العباسيين وتهمة الشدة والتجبر والغدر التى لحقت بأبي جعفر المنصور ثانى خلفائهم وأيضا هناك واقعة فتنة خلق القرآن التى تسبب فيها المأمون مروية تامة الصدق محملة المسئولية فى الفتنة له وهكذا ..
* العامل الخامس والأخير يتعلق بالمؤرخين المعاصرين والمفكرين الذين سلطوا بصيرتهم على سائر المراجع الإسلامية الكبري وهى بالعشرات وقاموا بحصر اختلافات المؤرخين وغربلتها وانتقاء الصحيح منها فلم يدعوا منها شيئا
أى أن التاريخ الإسلامى والعربي تعرض لعملية فحص وتمحيص وتدقيق لم يتعرض لها تاريخ سواه فى تعدد مراحل التحقيق حتى الأجيال المتأخرة بل وحتى عصرنا الحالى ونذكر منهم أحمد شاكر وعباس العقاد وعثمان الخميس وغيرهم كثير

لذا فإن الذى يصم التاريخ الإسلامى بأنه احتوى على الزيف يقع فى كارثتين كل منهما أكبر من الأخرى
الأولى :
أنه يصم التاريخ الإسلامى فى مجمله أو معظمه وهو اتهام فيه من الجهل الكثير لأن الروايات المنتقدة فى التاريخ الإسلامى والمشكوك بصحتها والتى أثارها المفكرون عبر العصور هى روايات وحوادث معدودة ومحصورة ،
والحكمة العربية تقول { كفي بالمرء حسنا أن تعد معايبه } أى أن التاريخ الإسلامى عبر أربعة عشر قرنا ازدحمت حوادثها ازدحاما يكفي مائة قرن ، وكلها تم تسجيلها بدقة ، وتبلغ نسبة الحوادث المنتقدة عددا محدودا من الروايات ، فهى شهادة بصدق هذا التاريخ لا بزيفه
الثانى :
أن المنتقدين كانوا على حالين وهما
العلمانيون مثل فرج فوده وهؤلاء كان جهلهم فاضح واتضح فى كتابه { الحقيقة الغائبة } الذى شحنه بنقد لروايات تاريخية وحوادث جاءت بأكملها مزيفة على التاريخ الإسلامى وكلها جلبها فرج فوده من الروايات الضعيفة التى ضعّفها وأبطلها العلماء عبر القرون ومع ذلك تمسك بها ولم يلتفت لقول أهل الإختصاص ، وهو باعث معروف بالطبع يدفعنا لإهمال هذا النقد كونه جاء بغرض معين لا بغرض التحرى العلمى ..
والقسم الثانى وهم المؤرخون المعاصرون ومنهم بعض أساتذة الجامعات الذين سلكوا فى دراسة التاريخ مسلكا معاصرا مهملين قواعد التأريخ التى اعتمدها المؤرخون القدامى لوضع كتبهم ـ وأهمها إيراد سائر الروايات وترك التحقيق لأهل التحقيق ـ فجاءوا للنقد والتعرض بالإنتقاص لكبار وأجلاء العلماء مثل الإمام الطبري الذى قال عنه الدكتور حسين مؤنس أستاذ التاريخ المصري فى كتابه { نقد التاريخ الإسلامى } أنه كان مؤرخا عبيطا ـ هكذا باللفظ ـ لأن كتبه مليئة بالروايات الخرافية التى لا يصدقها عقل ، وغفل المؤرخ الكبير عن منهج العلم القديم وعصوره الذهبية التى كانت فيها صبية الكتاتيب تعادل اليوم حملة الدكتوراه بل والأستاذية
فالعصر كله كان عصر علم وأسانيد ولم يكن صعبا عليهم أن يحققوا أى كتاب بصفحاته واحدة تلو الأخرى دونما أن يرجعوا لمرجع واحد ولهذا كان العلماء المؤرخون من أمثال الطبري لا يتحرجون من ذكر الروايات المنكرة لقوة ودرجة الدراية التى كان عليها العامة فضلا على العلماء وأيضا لأن الطبري أورد تاريخه مسندا كله ـ وهذا جهد جهيد ـ ، وبهذا انتفي عذر أى معتذر حيث يكون مهمة القارئ الباحث أن يراجع أحوال الرواة قبل الأخذ بالرواية
هذا بالإضافة أن حسين مؤنس ملأ كتابه بانقادات غريبة لروايات كلها ثابتة عند سائر العلماء مما يقطع بصحتها وبالتالى جاء إنكاره لها بدعوى أنها منافية للمنطق عبارة عن إدعاء أجوف يهمل أول ما يهمل جهد علماء التحقيق الذين ثبتوا الروايات المتفق عليها بتحقيق ناقليها كما فعلوا مع أحاديث المصطفي عليه الصلاة والسلام ، ولذا تنضم هذه الإنتقادات لمجمل الإنتقادات التى وردت على الحديث النبوى بدعوى منافاتها العقل
وهو أمر غريب للغاية أن نخضع حوادث التاريخ للتصحيح والتضعيف بناء على قناعاتنا الشخصية ومنطق التفكير لا على أسلوب البحث العلمى الذى يقوم على عوامل إثبات مجردة ..

وإلا لجاز للأجيال القادمة مثلا أن تنكر انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا التى كانت طيلة ثلاث سنوات من الحرب صاحبة اليد الطولى فى سائر ميادين الحرب وتمكنت بمفردها قبل انضمام ايطاليا أو اليابان من إسقاط فرنسا وتدمير البنية التحتية لبريطانيا وطرد جيشها بهزيمة ساحقة فى دنكرك وفى نفس الوقت أسقطت الإتحاد السوفياتى أسير الذعر العارم بعد أن توقفت قوات ألمانيا على بعد أربعين كيلومترا من موسكو ، هذا فضلا على استيلاء ألمانيا منفردة على أوربا كلها تقريبا
فكيف ـ لو أن الأمر بالمنطق ـ سقطت ألمانيا نفسها بعد أقل من عام من تلك الإنتصارات المدوية ؟!
من هذا يتضح لنا أن عبارة نابليون إنما تنطبق على تاريخه لا تاريخنا ، وقوله يعود لحال بلاده لا بلادنا وبالتالى فإن محاولة التغريب المستمرة بجلب الحكم الغربية وتطبيقها على منهجنا لا تقل خطورة عن منهج العلمانيين فى جلب العلمانية التى ظهرت بعوامل تاريخية وتطورات إجتماعية غربية محضة ، بينما هى عندنا لا محل لها نظرا لاختلاف المناخ والوقائع

الحضارة الفرعونية المفترى عليها

التعليقات مغلقة

الحضارة الفرعونية المفترى عليها

من غرائب ما تواجهه هذه الأمة ويعد من أخطر أسباب تراجعها رغم الماضي العريق .. هو أن الأجيال الحديثة لا علاقة لها بماضيها مطلقا .. على نحو يكفل التخلف المحقق لأى أمة دون شك ..
لأن التاريخ كعلم يعد هو الأساس الأقدر فى الحضارات جميعا وذلك لطبيعة العلوم الحضارية ذاتها من أنها تكون بالصبغة التراكمية فيجب أن تتواصل الأجيال اللاحقة مع السابقة وإلا فقدت بإرادتها الحرة كل مقومات التراث وبالتالي كل مقومات الحضارة ..
ولو أضيف لتلك الكارثة كارثة أخرى وهى التسطيح وعدم التدقيق ينقلب التخلف إلى موت حقيقي لتلك الأمة .. وهو ما نعانيه بحذافيره سواء كنا كعرب من ورثة الحضارة الإسلامية أو مصريين من ورثة تاريخ الكنانة الأقدم فى الأرض وهو إيماننا ببعض المعارف أو الثقافات التى أخذناها على عواهنها دون تدقيق ودونما بذل الحد الأدنى من الجهد لتحرى الصدق والواقع فيها كما لو كانت مسلمات غير قابلة للنقض أو النقد ..
وثالثة الأسافي أن من يعانون من هذه وتلك هم من المنتمين لزمرة المثقفين والمفكرين والمواهب الجادة التى تعول عليهم الأمة بنيان ما تهدم منها عبر سنوات طوال من قرون التخلف
والأمثلة على ذلك بلا حصر ..
مثال ذلك ثقافة المهدى المنتظر التى تعد تراثا عربيا يضرب بجذوره فى أعمق نقطة من نقاط المثقفين بالرغم من أن المسألة ذاتها قد فندها 
بالإضافة إلى آفة الثقافات ودائها وهى ثقافة الإتكالية الغير مقبولة بأى منطق حول بعض الأدعية المأثورة وبغض النظر عن صحتها وعما هو غير حقيقي فيها فان الكارثة تكمن فى اعتبار تلك الأدعية المأثورة ضامنة لإجابة الدعوة أو النجاة من النار بمجرد القراءة وهو تسطيح لدعوة الإسلام وفكره الذى ينص أول ما ينص على مصادقة القلب للقول بالعمل
وأيضا فى المعارف العادية نجد الكثير من أصحاب القلم وهم أهل التدقيق كما يفترض مسلمين أنفسهم وعقولهم لبعض المعارف التى سقطت أو التى لا تعد من قبيل المعرفة وكأنى بأهل الثقافة يقتربون حثيثا من مستوى العامة الذين يرضون بأقل المعرفة مما هو لازم لحياتهم وفقط ..
مثال ذلك ما انتشر عن نظرية التطور التى ابتكرها تشارلز داروين واشتهر عنها أن داروين يقول بأن الإنسان أصله قرد وهى السمعة الصحفية التى نشأت كنادرة أو طرفة ثم انتشرت على أنها محتوى النظرية كله ..
مع أن داروين لم يقل بهذا مطلقا والطريف أن محتوى النظرية الحقيقي أكثر طرافة ومدعاة للضحك من مقولة انتماء الإنسان للقرود فى أصله البعيد .. فالنظرية تقول بأن كل الأنواع والمخلوقات منشؤها خلق واحد تفرعت منه أنواع المخلوقات حسب التكيف الطبيعى عبر آلاف السنين .. وهو ما سقط بالطبع عندما جاء علم التصنيف ليكتشف أن بعض أنواع الزهور والتى تعد نوعا واحدا من النبات له أنواع مختلفة فى شكله وغذائه يربو عددها على ثلاثين ألف نوع مما يجزم بالطبع بأن كل نوع وكل عائلة وفصيلة لها منشأ مستقل تماما

ومنها ما يتم تدريسه عن عمد أو عن جهل بحقائق التاريخ لطلبة المراحل الأساسية للتعليم فى مصر على نحو يعد جريمة معرفية بحق هؤلاء الطلبة ..
فمنذ بضع سنوات واثر الكشف عن عدد من أقوى الوثائق البريطانية والفرنسية والايطالية المتزامنة مع أحداث تنصيب محمد على باشا واليا على مصر .. ظهرت للوجود حقائق تقلب تاريخ تلك الفترة رأسا على عقب فالمعروف والذى يتم تدريسه لطلبة التاريخ أن محمد على تم تنصيبه على مصر باتفاق العلماء وقادة المجتمع المصري فى فترة حساسة من تاريخ البلاد وكان هذا الاختيار للجندى الألبانى الأصل محمد على من اتفاق وتزكية هؤلاء السادة برياسة السيد عمر مكرم العالم الأزهرى المعروف ونقيب الأشراف وقتها
ولأن المدقق خلف هذا الأمر يجد عجبا من أن سير الأحداث لا يبدو سيرا منطقيا مع انتفاء أى تأثير للقوة الأجنبية الأوربية التى كانت تملك زمام الأمر فى المنطقة حتى من قبل فترات الاحتلال الصريح .. وهو ما بينته الوثائق عندما تم الكشف عن أن محمد على أخذ طريقه إلى كرسي العرش فى مصر بمعاونة ومباركة فرنسا بعد تحييد بريطانيا وتمت الصفقة بين محمد على نفسه الذى اشترى الولاية وبين ” بافاروتى ” القنصل الفرنسي فى ذلك الوقت وكان الثمن مجموعة منتقاه من الآثار الفرعونية نقلها بافاروتى كاملة وأسس بها متحفا خاصا به فى مسقط رأسه بايطاليا فى الوقت الذى ظن فيه كبار المصريين أنهم بصدد صفقة تتم بمقتضي إرادتهم فقط دون إدراك لكوامن السياسة العالمية التى كانت علاقاتها فى ذلك الوقت بالنسبة لهم تمثل لغزا وحجابا من غموض تام ..
ونفس الأمر حدث فى اتفاقية الوفاق الودى بين بريطانيا وفرنسا عام 1907 حيث تم تقسيم التركة مسبقا بين بريطانيا وفرنسا وكان محتوى التركة يشمل منطقة الخليج والعراق والشام بأكملها فضلا على دول شمال افريقيا والمغرب فى غيبة كاملة من السلطان العثمانى المغيب وأولياء الأمر العرب فى تلك المناطق ممن كانوا بعيدين كل البعد عن مجرى الأحداث وطرق السياسة الدولية بين القوى العظمى الأوربية والتى كانت تبدو من الظاهر غير متدخلة فى مصائر شعوب مستقلة حيث كان الاحتلال لم يبدأ بعد فى أغلب المناطق العربية بينما خلفية الأحداث تحمل فى وضوح بصمات الدول الكبري ومصالحها وهذا هو الذى دعا كلا من بريطانيا وفرنسا للتدخل معا لتحطيم جيش وأسطول محمد على عندما قويت شوكته وهدد السلطنة العثمانية فى الشام وكاد يسقطها فتدخلت الدولتان لتحجيمه فورا عقب الاتفاق مع الباب العالي على المقابل الذى شمل وعدا صريحا بتوطين اليهود تمهيدا لإنشاء وطن قومى لهم ..
والذى لم يعرفه السلطان العثمانى أن بريطانيا وفرنسا كانتا ستحطمان محمد على حتى لو لم يطالبهما الباب العالى بذلك تبعا لقواعد اللعبة السياسية والتى لا تسمح لقوة محمد على أن تتعدى الحدود للمحميات التى تسيطر عليها الدولتان خفية ولذلك تركا محمد على حرا فى تدمير الدعوة الوهابية بينما لم يصبروا عليه يوما عندما طرق أبواب الشام
ونفس الأمر أيضا مع تجربة سابقة على محمد على وهى تجربة على بك الكبير ذلك القائد المملوكى الأسطورة الذى كاد أن يمتلك زمام الشام إلى مصر لولا أن تدخلت القوى الخفية ليخونه أقرب أعوانه محمد بك أبو الدهب ويسلمه لأعدائه منهيا تلك التجربة التى لا تسمح بها القوى العظمى وهى اتحاد مصر باللسان الشامى والذى انفك منذ وفاة صلاح الدين ولم يلتئم بعدها فى محاولة كاملة قط وفشلت جميع تجارب إحيائه
وإذا نظرنا لكتب التاريخ التى يدرسها الطلبة فى معظم أقطارنا نجدها خاوية على عروشها إلا من معارف سقطت منذ قرون لكنها أصبحت مسلمات تحكم ثقافة العقل العربي مع الأسف الشديد

ومنها أيضا تلك الثقافة التى حكمت الكثيرين من أن الحضارة الفرعونية حضارة وثنية وتعددية ولها 2800 إله وهم الذين تنتشر تماثيلهم عبر ربوع مصر شمالا وجنوبا بالإضافة إلى أن القرآن الكريم حدثنا عن فرعون الطاغية الذى ادعى الإلوهية فهى بالتالي حضارة كفر وإلحاد وما إلى ذلك من المعارف التى ترسخت فى الأذهان بينما الحقيقة كانت واضحة حتى من قبل النظريات الحديثة للتاريخ المصري ومن خلال قصة فرعون ذاتها قاطعة بأن أرض مصر لم تعرف عبادة الأوثان فى أى مرحلة من مراحل حضارتها المدركة بالتاريخ عبر خمسة آلاف عام قبل الميلاد وحتى اليوم ..

وتعالوا نلقي نظرة سريعة لنعرف ونر ..

عمق الحضارة الفرعونية ..

علم المصريات أو الفرعونيات هو علم تأسس من ثلاثة قرون على يد الغرب الأوربي ثم الأمريكى فيما بعد وصارت جامعات الغرب وباحثيه هم أساس هذا العلم مع الأسف الشديد ولم ينبغ من العرب أو المصريين أنفسهم إلا عدد قليل للغاية من علماء الآثار كان أولهم أحمد كمال باشا والدكتور سامى جبرة والدكتور سليم حسن وأخيرا زاهى حواس بالرغم من أنها حضارتنا نحن إلا أن الغرب بلغ شغفه الغير اعتيادي بها حدا يفوق الجنون ذاته ..
وتفرع هذا العلم وتعددت أقسامه فى فرنسا وبريطانيا وايطاليا وأمريكا وتنوعت بحيث صار كل أثر وأسرة تمثل فى التاريخ المصري قسما مستقلا
كما أن علم ” بيرامدولجى ” وهو علم الهرميات تأسس كعلم مستقل وله أقسامه المتفرعة والتى يعكف الباحثون عليها منذ عشرات السنين ليضيفوا العديد والعديد لتلك الحضارة التى سادت العالم عشرات القرون
فى نفس الوقت الذى كانت فيه مصر قبل منتصف القرن الماضي لا تعير لتلك الآثار اهتماما حتى أن بعض أحجار وقشرة الطبقة الجيرية التى كانت تكسو الهرم بأكمله وعليها نقوش ذهبية وجداول فلكية رهيبة أخذها سكان مصر القديمة واستخدموها لبناء أركان منازلهم التى لا زال بعضها حتى اليوم يحمل فى قلبه أحجار منتزعة من الهرم منذ انهيار القشرة الجيرية بجداولها فى الزلزال الذى ضرب المنطقة فى القرن السابع عشر .. وبصعيد مصر عندما فكر عبود باشا الاقتصادي المصري الشهير فى بناء مصنع سكر نجع حمادى يمم وجهه ناحية معابد الأقصر وانتزع منها العديد من الأحجار ووضعها فى أساس المصنع !
وقد بدأ البحث خلف سر الهرم الأكبر الذى يعد أعقد ألغاز الحضارات القديمة على مر التاريخ منذ أيام خلافة المأمون عندما دخل بعض علماء العرب للهرم وكتبوا عنه وأثارتهم دقة البناء وتساءلوا عن هدف بنائه وهو الهدف الذى لا زال حتى وقتنا هذا لغزا غامضا لم يتم حسمه ..
والحديث عن الهرم الأكبر يطول بأحجاره التى بلغت مليون وستمائة ألف حجر يتراوح وزنها بين 12 طن وسبعين طنا مجلوبة من أقاصي الصعيد بوسيلة مجهولة ومرصوصة فى دقة هندسية خرافية بوسيلة غير معروفة أيضا ويبلغ الإعجاز الهندسي فيه حدا لا زال العلم الحديث بكل منجزاته يقف عاجزا عن محاكاتها لأن الهندسة التقليدية التى نعرفها تقف عاجزة عن تقنين العلاقات الرياضية الرهيبة بين أطراف الهرم والتى تحاكى بدقة مذهلة أبعاد الكواكب والنجوم بحيث يعد الهرم معجزة فلكية أو مرصد كما قالت بعض النظريات ..
هذا الهرم الذى قال عنه علماء القرن الثامن عشر أنه مقبرة للملك خوفو ..
وبالرغم من أن تلك المعلومة سقطت من مائتى سنة أو يزيد إلا أننا حتى الآن كمصريين ندرس أن الهرم هو هرم خوفو مع أن علماء المصريات عندما صححوا تلك المعارف كانت الأدلة قاطعة على زيف معظم ما توصل إليه علماء ذلك الوقت من أن خوفو هو بانى الهرم الأكبر لأنهم اعتمدوا على عبارة منقوشة بداخل إحدى الخرطوشات الملكية ومكتوب عليها بالهيروغليفية ” هيليم خوفو ” وهى التى اعتمد عليها العلماء منفردة فى وقتها لينسبوا الهرم الأكبر إلى هذا الملك الذى نجهل كل شيئ عنه ولا وجود له فى التاريخ القديم بالرغم من وجود تمثال صغير وحيد له وبعض معلومات ضئيلة عثر عليها الدكتور زاهى حواس منذ سنوات
وعبارة “ هيليوم خوفو ” هذه لا تعنى الملك خوفو كما تمت ترجمتها بل تعنى حرفيا بالهيروغليفية “ الله جل جلاله
الأكثر مدعاة للأسي أن عمر الهرم نفسه والذى ندرسه كمصريين بأنه يبلغ من العمر خمسة آلاف عام هو أمرٌ تراجع عنه العلماء الموثوق بهم فى التاريخ الفرعونى وأجمعوا على خطئه وعلى رأسهم ” مانيتون ” أكبر عالم أثريات فى هذا التخصص وذلك عندما عجز العلماء عن تحديد عمر صخور الهرم بالرغم من أن علم الجيولوجيا عن طريق تحليل وقياس كمية غاز الأرجون فى الصخور يتمكن بمنتهى البساطة من قياس عمر أى صخرة على الأرض وبدقة تبلغ نسبة الخطأ فيها مائة عام لكل خمسة مليون عام !
وكانت تلك الوسيلة البحثية الفريدة هى التى مكنتنا من معرفة عمر الأرض من أقدم صخورها وهو عمر يمتد فى التاريخ إلى أربعة آلاف وخمسمائة مليون سنة
وبالرغم من ذلك فقد وقفت الأجهزة عاجزة عن هذا ونقل لنا تاريخ العرب فى مصر أن أحد علماء العرب وضع تفسيرا لبناء الهرم وتحليلا له كان منه أن الهرم بن منذ خمسة وثلاثين ألف عام
ولو أننا وضعنا بأذهاننا أن التاريخ المكتوب للعالم أجمع بدأ منذ عشرة آلاف عام فقط فلنا أن نتخيل مدى الحيرة التى استبدت بعلماء الغرب عندما توصلوا لكشفيات أثرية إغريقية تؤيد القول بقدم الهرم بهذا الشكل

فالتاريخ الفرعونى لدينا يبدأ من عهد الأسرة الأولى التى أسسها الملك مينا موحدا بها قطرى مصر شمالا وجنوبا منذ سبعة آلاف عام أما قبل هذا التاريخ لا نعرف معلومة واحدة .. ولنا أن نتخيل كم الأسرار الذى تحتويه فترة الدولة الفرعونية المزدوجة شمالا وجنوبا قبل مينا وهى التى استمرت فى التطور بعد ذلك مكملة للحضارة الفرعونية
ولو أننا ألقينا نظرة على أحدث الكشوف والنظريات العلمية فى هذا المجال سنكتشف ما هو أعجب ..
فعمر الإنسان على الأرض يبلغ مائة ألف عام وكما سبق القول لا يوجد تاريخ مكتوب يصل لأقصي من عشرة آلاف عام فقط وقد عثر العلماء على أدوات علمية ومعادن وآثار لأشعة وقنابل تراوحت أعمارها بين عشرين ألف عام وخمسة وثلاثين ألف عام وكلها تنبئ عن حضارات سادت ثم بادت وهى التى ينقل لنا القرآن الكريم ومعظم الكتب المقدسة لمحات عنها ..
والذى يعنينا فى هذا الشأن ما كشفه أحد الباحثين الفرنسيين من أن أفلاطون عندما جاء لمصر والتقي بكهنة الفراعنة أخبروه عن أطلانطس وسجل أفلاطون هذا اللقاء فى محاورة ” كريتياس ” كما أن هيرودوت التقي بهم وكان تعليقهم أن علوم الحضارة الفرعونية بلغت حدا مرعبا وهى علوم تقتصر فقط على الكهنة كما أن الفراعنة تركوا آثار حضارتهم فى حضارة الأزتيك بالمكسيك والحضارة الصينية أى أنهم قطعوا العالم شرقا وغربا وكل هذا قبل التاريخ المعروف والمكتوب
الأكثر إثارة هو ما كشفته صحف نبي الله إدريس عليه السلام والتى اكتشفت فى عدة نسخ بعدة مواضع وهو أول الأنبياء بعد آدم عليه السلام ومعروف أنه استقر بمصر وتبعه أهلها وعلمهم الكتابة والخياكة وصنع أدوات الحضارة مما وهبه الله ونقل لهم أخبار طوفان سيأتى على العالم بعده وهو طوفان نوح عليه السلام والذى جاء مكتسحا لكل العهد القديم .. وهو السبب الرئيسي لغياب كل أوجه وعلامات الحضارة السابقة عليه مما دعا ببعض العلماء للخروج بنظرية أن الأهرامات بنيت لأجل الحفاظ على تراث الفراعنة من الطوفان ومن ثم أودعوا الأهرامات الثلاثة كل الأسرار العلمية والكونية التى توصلوا لها حتى تقنيات السفر للفضاء والتى أكدتها مسلات القمر التى تقف مسببه صداعا مزمنا للعلماء عن كيفية وصولها
ومنذ إحياء الحضارة الفرعونية بمصر عقب الطوفان ظهرت للوجود أسطورة أزوريس التى دخلها الكثير من التحريف وحملت الكثير من حقائق وجود نبي الله إدريس عليه السلام وبقايا علمه الذى علمه للمصريين
والواقع أن هذا يعنى ببساطة أن العالم أجمع يلهث ويكتشف كل يوم جديدا فى أثر تلك الحضارة ونحن فى غفلة مرهونة بعلوم ندرسها عفا عليها الزمن .. وأمام تاريخ يحتاج الكتابة من جديد بل والتحديث المستمر مع الكشف المذهل الذى يتتابع ويربط بين حضارات العالم القديم ويصوغ ويضبط أحداث ما قبل التاريخ المكتوب

التوحيد فى مصر ..

كانت النظرية القديمة القائلة بأن الحضارة الفرعونية تعددية ووثنية تعتمد على وجود 2800 إله كما سبق القول وأيضا من خلال قصة فرعون الذى اتضح أنه رمسيس الثانى بعد ما كشفه العالم الفرنسي الشهير موريس بوكاى عندما حلل جثة رمسيس الثانى واكتشف بقايا الملح البحرى على جسده وأطلعه بعض أصدقائه على القصة القرآنية مما تسبب فى إسلامه بعد ذلك وخرج يروى عن الحقائق المذهلة التى اكتشفها بتدبر القصص القرآنى وذلك فى كتابه الأشهر ” القرآن والإنجيل والتوراة والعلم
هذا عن المعلومات القديمة والمعروفة ..
لكن المعلومات الأكثر صحة والتى اتضحت بعد العثور على كتاب ” الموتى ” وهو أقدم كتاب فرعونى تمت ترجمته وفك رموزه ليتضح أن الحضارة المصرية قامت على أساس التوحيد وذلك بسبب الآتى .
أولا .. كلمة ” نفر ” والتى وجدها الأثريون تصف 2800 تمثال لشخصيات متعددة لا تعنى كلمة ” إله ” بل ترجمتها الحرفية “ اليد القوية ” أى أنها صفة وليست مسمى الهي ..
وتتجلى الإثارة الحقيقية فى الصفات التعريفية المكتوبة إلى جوار تماثيل هذه الآلهة ولفتت نظر العديدين من الباحثين لقوة الربط الحادث بالأنبياء والمرسلين ..
فهناك “ أتوم ” والتعريف به هو أنه أول بشري نزل من السماء وأبو الحياة على الأرض
وهناك “ أوزوريس ” ووصفه يقول بأنه الذى علم الناس الكتابة والحياكة وسبل التسجيل
وهناك “ نوه ” ووصفه بأنه الذى أنقذ البشرية من الغرق
والأسماء والأوصاف شديدة الوضوح
ثانيا .. وهو الدليل القاطع على التوحيد لدى الفراعنة .. ما نقلته نصوص كتاب الموتى حيث قالت إحدى صحائفه بالحرف
أنت الأول قبل كل شيئ وأنت الآخر وليس بعدك شيئ
قال الله خلقت كل شيئ وحدى وليس بجوارى أحد
كما يُعرف كتاب الموتى المسلات أنها إشارة التوحيد وهو ما يتضح من إشارتها الدائمة للسماء .. فضلا على أخناتون الذى يعد الملك الفرعونى الوحيد الذى نادى بالتوحيد من بين الملوك ووجوده الغامض فى قلب التاريخ الفرعونى لا يمكن قبوله على أنه كان مصادفة ـ على حد قول د. مصطفي محمود ـ
بل من المؤكد أنه جاء معبرا عن أصل شعبي حاربه الكهنة من قديم الزمن وسعوا فيه ومعهم الملوك لعبادة تماثيل الأنبياء والصالحين على النحو المعروف فى سائر الحضارات وتكرر فى الجزيرة العربية كما تكرر فى الحضارات الصينية والهندية مع بوذا وكونفشيوس وهم من أهل التوحيد قبل الميلاد بثمانمائة عام وتوارثتهم الحضارات وعبدوهم فى النهاية
يضاف إلى ذلك أن الاهتمام الفرعونى بحياة ما بعد الموت يصل حدا لا يمكن وجوده فى حضارة وثنية على الإطلاق لاختلاف المبادئ نهائيا بين الأسلوبين كما أن الفرانة هم الحضارة الوحيدة قبل التاريخ التى آمنت بالبعث دون تحديد لرسول أتى إليها أو أحد الأنبياء فيما عدا إدريس وعيسي عليهما السلام
ويبدو الأمر أكثر وضوحا عندما نتأمل التحقيق القرآنى لقصة فرعون فى قوله تعالى
وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه
وهو التعبير القاطع عن وجود الإيمان داخل الشعب وخروج الفئة الضالة بسبب أهواء الحكم وحصرها فى الكهنة والملوك وهو ما أكده أيضا موقف السحرة الذين واجهوا موسي عليه السلام فآمنوا به ورفضوا التراجع أمام بطش فرعون الذى مزق أجسادهم وألقاها فى نقاط مختلفة من صعيد مصر وكان هؤلاء السحرة هم ” أسيوط ـ إسنا ـ أرمنت ” ولا زالت البقاع التى ألقيت فيها تلك الجثث تحمل أسماء هؤلا السحرة حيث تعد أسيوط قلب محافظات الصعيد واسنا و أرمنت مدينتين متجاورتين تقعان جنوب الأقصر بأربعين كيلومترا تقريبا

هذا بخلاف موقف المصريين من موسي عليه السلام حيث أعطى المصريون ذهبهم كله لبنى إسرائيل قبل خروجهم وكان عطاؤهم طواعية وليس كما قال بعض المفسرين أنه كان إخراجا بالاحتيال لأن عدد بنى إسرائيل بلغ نحو ثلاثمائة ألف شخص من المستحيل أن يذهبوا لجيرانهم المصريين فى نفس الوقت ليطلبوا حليهم على سبيل الاقتراض لفترة وإعادتها لأن هذا كان كفيلا بإيضاح نيتهم فضلا على أن العدد الهائل لا يسمح بالخروج تسللا بل كان خروجا صريحا ومن ثم تبعهم فرعون وحاشيته فقط وهم الذين خرجوا معه
أما الذهب المسروق فهو الذهب الذى سرقه قارون عندما كلفه موسي عليه السلام بالعودة إلى العاصمة لتنصيب ملكا يختاره الشعب المصري لضبط الأمر بعد هلاك فرعون فعاد قارون على رأس جيش ونفذ الأمر واحتال لنفسه فاستولى على بعض كنوز فرعون المخبأة فى سراديب قصره

وآخر نقطة تخص هذا الأمر هى أن جميع الأمم السالفة التى طغت وبغت أرسل الله عز وجل إليها ما قضي عليها مثل عاد وثمود وإرم والنمروذ وقوم لوط وأصحاب الأيكة وغيرهم ..
بينما ظلت الحضارة الفرعونية بشعبها بمنأى عن أى عقاب الهي فى مطلق تاريخها واقتصر عقاب الغرق على فرعون وحاشيته فقط وهذا مما يؤكد على استمرار التوحيد فى المصرين منذ قدوم إدريس عليه السلام ..
والبدايات المتشابهة تؤدى للنهايات المتشابهة فكما استقبل المصريون دعوة إدريس وموسي عليهما السلام استقبلوا المسيحية بالبشر واعتنقوها وكذلك عندما جاء عمرو بن العاص وعلى أبواب سيناء استقبلته قبائل البدو بالترحاب وانضمت جيوشهم لجيشه وقادهم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وعلمهم الإسلام لينطلقوا مخلصين مصر من يد الرومان لتنشأ الحضارة الإسلامية بمصر بتأيد كاسح من جموع القبط المصريين
هذه هى الحضارة الفرعونية التى نبذ البعض منا أسباب الفخر بها والبحث يها باعتبارها حضارة وثنية دون أن نكلف أنفسنا ساعات قليلة لنتبصر فيها تاريخ بلادنا التى احتفي بها الغرباء وأهملها الأبناء

لمزيد من التفاصيل نرجو مراجعة الآتى

” قصة الحضارة ” ـ وول ديورانت ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
” مصر القديمة ” ـ د. سليم حسن ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
” الهرم المعجزة ” ـ د. مصطفي محمود حلقة تليفزيونية من برنامج العلم والايمان
” الذين عادوا الى السماء ” ـ أنيس منصور ـ طبعة دار الشروق
” أخبار الأول فيمن تصرف من أخبار الدول ” ـ اسحاق المنوفي ـ طبعة الذخائر ـ مصر
” القرآن والانجيل والعلم ” ـ بروفيسور موريس بوكاى ـ نسخة الكترونية
” قصص الأنبياء ” ـ الامام متولى الشعراوى
” قصص الأنبياء ” ـ د. أحمد الكبيسي

محاولة لرد الاعتداء على المرجعية السنية

التعليقات مغلقة

هذا نص رد أرسلته الى الجريدة التى تناولت خلال الأسابيع الماضية هجمات كاتب علمانى اسمه محمد الباز اعتاد لى طرق أبواب التشكيك فى مختلف الشخصيات والمراجع الاسلامية بشكل يثير حفيظة الحليم ..
ولأننا نعرفه جيدا من خلال متابعتانا لتلك الجريدة التى تحمل اسم الفجر بفتح الفاء وأطلقت عليها اسم الفجر بضم الفاء
كنت لا ألقي بالا الى هجماته التى تتصف فوق فجرها بالغباء الشديد لضعف وهوان شأنها
لكن الهجمة الأخيرة التى طالت كتب السنة الكبري مثل صحيح البخارى وعظماء الرواية مثل الامام أبي هريرة رضي الله عنه
كانت هجمة بالغة الخبث لكوونه أخضع بعض الأحاديث للمنطق وعدم المنطق مما يؤدى الى بلبلة أفكار الكثيرين
وتصدى للرد عليه فى جريدته عدد من شباب الفقهاء كانوا والحمد لله عند حسن الظن ولم يتركوا له شاردة ولا واردة الا وأفحموه فيها
فكتبت هذا الرد فى الشأن الذى رأيت أن من قاموا بالردود عليه لم يتناولوها
وهى الالتفات الى هدف الهجمة ونية الكاتب بناء على دراسة ماضيه
وهو ما حاولت فعله بتلك الكلمات

ذكرنى أسلوب معالجة جريدة الفجر لأزمة الكاتب محمد الباز الأخيرة بأزمة مماثلة فى المعالجة لا الموضوع .. وهى معالجة متميزة
كانت الأزمة الأولى فى بداية السبعينات عندما فضلت جريدة روز اليوسف أن تستضيف مقالات المفكر اليسارى د. فؤاد زكريا حول أزمة اليسار مع التجربة الناصرية .. وجاءت موافقة روز اليوسف غريبة الوقع على القراء لأنها لم تكن بأى حال مع سرطانية الهجوم على عصر عبد الناصر والتى ضربت صفحات الكتب وشتى المطبوعات فى تلك الأيام برعاية رسمية
وكان داعى الغرابة أن مقالات د. فؤاد زكريا كانت تتناول بالنقد العنيف جوانب عديدة فى التجربة الناصرية خلال معالجته لفشل اليسار فى تلك التجربة ..
إلا أن مسئولي روز اليوسف أثبتوا أنهم مسئولون بالفعل عندما برروا سبب استضافتهم لهجمات الدكتور فؤاد وهو التبرير الذى وقف خلف جريدة الفجر عندما أفسحت الصفحات لردود القراء الجادين بالرغم من أنها جاءت فى أغلبها الأعم مهاجمة وبقسوة لمحمد الباز وللجريدة
وقرار روز اليوسف قديما وقرار الفجر حديثا وقفت خلفه رغبة حقيقية فى إفساح المجال للنقاش الجاد والارتفاع بمستوى الحوار حتى لو كانت وجهات النظر تلك منتقدة أو رافضة
وعودة إلى موضوع الأزمة ..
وهنا أود أن أقول للكاتب المهاجم للصحابة رضوان الله عليهم تحت مبرر الدفاع عن صحيح السنة ..؟!
اننى لن أناقش صحة ما قلت لأن الردود السابقة حملت من الرد ما يفي ويكفي لكنى سأركز على هدفه والسؤال عن غرض الكتابة ذاته ..
لا سيما إذا وضعنا فى أذهاننا تجربة قديمة للكاتب نفسه قرأتها له على صفحات صوت الأمة منذ عامين تقريبا حيث دأب على الخروج بمقالات مشتعلة العناوين فارغة المضامين .. ومنها المقال الذى كتب عنوانا مضمونه ” يجوز للمرأة الحائض أن تصلي ” تبعا لما أتذكر .. فضلا على أن العنوان برز بحجم كبير على الصفحة الرئيسية للجريدة !!
وتابعت الردود على الكاتب وجاء رد يحمل اسم أستاذة شريعة متخصصة مفندا وجهة نظر الكاتب والذى عقب قائلا ما معناه
” هذا ما نريده .. نريد التفاعل لا التجاهل .. نريد أن ننشر ويجيب علينا أحد لا أن يتركونا هكذا !!”
وبالتوقف قليلا أمام تلك الكلمات سنكتشف بديهيا أن الغرض هنا ليس طرح أراء أو مناقشة تهدف إلى فائدة بقدر ما هو غرض طرق أبواب محرمة سعيا وراء الإثارة بحد ذاتها ..
وإلا فكيف تنازل الكاتب عن وجهة نظره ببساطة والمفروض أنه كتب موضوع طهارة الحائض مستندا إلى بحث كبير وسعى وراء إثبات وجهة نظر تعب خلفها .. إضافة إلى تفاهة القضية ذاتها والتى لا توحى بغير غرض الإثارة لأسباب مختلفة

واليوم أتى الباز بقضية جديدة وعملاقة كان من الممكن أن تؤدى الغرض منها .. فقط لو صدقت النية .. وتحسن الأسلوب
فمع كاتب مثله له عند القراء سوابق اعتداء بلا حصر على رموز ومسلمات دينية كان لابد أن يتقي أثر ذلك عند طرحه لقضية حساسة مثل تنقية كتب السنة إن كان حقا يهدف لتصحيح علمى لا إثارة وأدوار بطولة وشهادة رأى
فقد كتب عن الإمام أبي هريرة رضي الله عنه أوصاف مبتذلة وما إلى ذلك من الألفاظ التى أشعرتنا أنه يتحدث عن مسئول من مسئولي هذه الأيام لا عن صحابي قدير ممن قال فيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ” الله الله فى أصحابي ..”
ومع جهلنا بالمصادر التى استقي منها الكاتب تلك الأوصاف لإلصاقها براوى الحديث .. أتمنى منه أن يخبرنا بهدف التشكيك فى عدالته وعدالة كبار الأئمة من حملة الدعوة الذين اصطفاهم الله تعالى لرسوله ليكونوا أركان تعليمها وناشريها
ربما كانت كتب التراث عامة بها ما يحتاج للمراجعة والتصحيح ولكن هذه المراجعة يلزم لها عدة عوامل لم تتوافر أيها لمقالات الباز
أولها
أن كتب الحديث الشريف وبالذات صحيح البخارى المكتوب بلغة عميقة وبالغة الفصاحة كان لزاما عليه قبل إثارة القضية تتبع شرح هذا المرجع الضخم للتأكد من أنه استقي بالفعل معنى صحيح للكلمات بدلا من أن يفسر الكلمات على خلفية ثقافته وعصريته وكأن الكتب تضع لخطوط الموضة يجب مراجعتها وتنقيتها بما يناسب العصر
وثانيها
أن معيار الحكم بصحة الحديث أو تضعيفه أو الحكم بعدم صحته علم غزير العمق له متخصصوه ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نخضع الأحاديث النبوية للمنطق الذى نقتنع به ونحكم بناء عليه بصحتها أم لا
على سبيل المثال حديث الرسول عليه الصلاة والسلام فى شأن أنه نصر بالرعب لو أخضعناه لطريقة الباز سنحكم حتما أنه حديث مكذوب لأن الثابت بالقرءان والسنة أن الدعوة الإسلامية كانت بالتى هى أحسن ..
ولكن علم الحديث يقر بأن الحديث متواتر وثابت النسبة وبمطالعة شرح الأحاديث وتفسيرها يتضح اللغز وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام نصر بأن ألقي الرعب فى قلوب أعدائه من المشركين
نضيف الى ذلك أن احتجاج الباز بتجربة الامام الدكتور عبد المنعم النمر شيخ الأزهر الأسبق والذى نادى بتنقية كتب التراث والتاريخ الاسلامى من الروايات الضعيفة .. هو احتجاج متسلق لا يمكن أن نأخذ به مبررا للباز لسبب بسيط
أن عبد المنعم النمر العالم الجليل لم يتهم التراث وكتاب التاريخ الاسلامى وكلهم من كبار علماء السنة بأنهم سردوا الخرافات بل قال أنه ينادى بتنقيتها من الروايات الضعيفة ..
وهى تلك الروايات التى وجدت بكتب التاريخ الاسلامى جنبا إلى جنب مع الروايات الصحيحة وكان علماء التاريخ يشيرون إلي الروايات المكذوبة صراحة ويوردونها مع الإشارة إليها ليتقيها الناس وهو المنهج الذى سار عليه جميع كتاب التاريخ الاسلامى من أول محمد بن سعد صاحب الطبقات حتى الإمام بن الأثير صاحب كتاب الكامل

ولم يخرج عن هذا النهج إلا الإمام الطبري رحمه الله لكونه كان يتبع أسلوب الرواية التاريخية بكل أشكالها وينسبها لأصحابها دون الإشارة للتلفيق وهى وجهة نظر على أية حال
ولهذا نادى عبد المنعم النمر بإعادة طبع تلك المؤلفات واستثناء ما ضعفه الأئمة لتبقي الرواية الصحيحة فقط .. أما أصول المراجع والتى تحتوى كل الروايات فحبذ النمر قصرها على متخصصي التاريخ من الدارسين والباحثين
وأخيرا ..
كان من الممكن أن تكون لحملتك تلك الأثر الايجابي المحمود لو أنك اتبعت الأسلوب العلمى لمناقشة ما تريد وهو أن تطرح دون اعتداء واتهام لرموز كبري قامت على أيديهم الدعوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام مما يؤدى ـ إذا اتبعناك ـ إلى هدم رجعية الدعوة بأكملها لفساد الأصول التى استندنا عليها كمراجع
ثم ما هو المبرر خلف العناوين والعبارات البالغة الاستفزاز فى حديثك عن الصحابة كقولك ” أسبوع الدفاع عن أبي هريرة ” هكذا بدون خجل وكأن أبو هريرة رضوان الله عليه كان مشاركا لمقعدك أيام الدراسة ..
ثم هجومك الغير مبرر على ما أسميته السلطة الدينية للشيوخ .. وهو أمر عجيب .. فسلطة الشيوخ هى سلطة العلماء إذا كان عالما حقا وما عداهم فهم معروفون فما الداعى للتعميم
وان كنت حقا تنتصر لحريتك وتريد لها أن تبقي بمنأى عن التسلط فركز من باب أولى على من جعلوا لديهم سلطة التنفس فى رقابتهم على شعوبهم .. أو دافع من باب أدعى عن حرية مهنتك إزاء هجمات نظام الحكم

أو على الأقل كنت وقفت ثابتا فى مسألة كتابك الأخير عن المشير عبد الحليم أبو غزالة والذى خرجت طبعته الأولى بعنوان ” المشير ـ قصة الصراع بين مبارك وأبو غزالة ”
ثم فوجئنا بالطبعة الثانية تخرج بعنوانها التالى ” المشير ـ قصة صعود وهبوط أبو غزالة ”
فما هو الداعى يا ترى وراء تغيير العنوان أيها الصحفي الحر

انتهى الرد

النصل والمقبض ” خنجر فى صدر الاسلام ـ الجزء الثانى ”

التعليقات مغلقة

ألقينا الضوء بقدر الامكان فى السابق على أصول الدعوة الأصولية الأولى وبينا مراحلها المختلفة عبر التاريخ ..
وهذه المراحل يمكن تقسيمها كالتالى ..
المرحلة الأولى ..
وهى النشأة على يد الامام بن حنبل رضى الله عنه والتى أسس فيها منهاج الدعوة الأصولية الأولى
والقائمة على التصدى بالدعوة الجادة المخلصة والسلمية للعودة الى الفطرة الاسلامية الأولى ومواجهة أسباب الانحلال فى الحياة العامة وأنظمة الحكم .. ولكن بغير البغي والفتنة .. بغير السلاح

المرحلة الثانية
وهى تجديد الدعوة على يد شيخ الاسلام بن تيمية والتى حملت نفس المضمون السابق وذات الأفكار مع التطوير اللازم لها .. بما يناسب اختلاف العصرين ودرجة الانحلال فى كل منهما ..
لكن مع الحفاظ التام على طهارة ثوب الدعوة من مناجزة الحكام بالسلاح أو الانقلاب بالقوة

المرحلة الثالثة ..
وهى مرحلة العصر الحديث أو التاريخ المعاصر .. والتى بدأت مع مطلع القرن العشرين على الامام جمال الدين الأفغانى .. وتلميذه الامام محمد عبده .. ثم الامام أبي الأعلى المودودى .. ثم الطفرة التى حدثت بظهور نجم جماعة الاخوان المسلمين وانتشارها الفائق فى أنحاء الوطن العربي على يد الشيخ حسن البنا مؤسسها وأول مرشد عام لها ..
وظهرت الفوارق بين المرحلة الثالثة وبين المرحلتين السابقتين .. هو ظهور بوادر العمل المسلح والقابلية به ..
لكن مع ضرورة الملاحظة أن السلاح لم يستخدم بكثرة فاحشة ولم يوجه الا فى حدود ضيقة ولم يتجاوز أيضا الا فى حوادث فردية

هذه هى المراحل الثلاث الأولى والتى يمكن الحكم من خلالها على اخلاص الدعوة فى غير تجاوز ..
حتى كانت المرحلة الرابعة .. وهى مرحلة الكارثة .. والتى انحرفت فيها الدعوة وقام بها المغرضون وهى مرحلة الجماعات الارهابية المسلحة والتى اتخذت لنفسها شعار الأصولية الاسلامية والاسلام منها براء ..
وسأعرض هنا نشأة هذه الجماعات المسماه بالاسلامية فى مصر ومراحل تطورها ودورها المخزى فى تلويث الاسلام دينا ودعوة ..
وذلك من خلال قراءة تاريخها فى مصر وذلك لسببين
أولهما .. أن تجربتها فى مصر هى التجربة الأساسية
وثانيهما .. أن مصر تعد مثالا كافيا لشرح هذا الدور الآثم

الجماعات الاسلامية فى مصر

أولا .. النشأة

كانت نشأة هذه الجماعات فى مصر .. نشأة مثيرة للحسرة .. اذا تم معرفة كفيتها ..
وكانت البداية عند جماعة الاخوان المسلمين ..
هذه الجماعة التى بدأت بالامام حسن البنا بداية قوية مبشرة .. ولو أنها ظلت على ذات النقاء فى الدعوة الخالية من شبهات الغرض والطمع فى الحكم لكان لها وللعالم الاسلامى تحت قيادتها شأن آخر
فقد انحرف الامام حسن البنا .. عن أهدافه التى أسسها .. وأصبح للاخوان مطالب فى الحكم بعد أن كانت مطالبهم قاصرة على اقامة الدولة الاسلامية والاصلاح المعاصر
فى البداية انزلق الامام البنا الى الصفقات ولعبة التوازنات السياسية مع القصر .. فى صفقة مفيدة للطرفين عكست رغبة الاخوان فى السلطة ورغبة الملك فاروق فى الخلاص من صداع الوفد والنحاس ..
ثم كان ما كان من أمرهما واختلافهما على نحو ما تقدم ذكره .. واغتيل الامام البنا انتقاما من اقدام الجماعة على اغتيال النقراشي ..
وتولى أمر الارشاد بعده المستشار حسن الهضيبي والذى استجاب لمحاولات الصلح مع القصر وقابل الملك فاروق وخرج من عنده ليقول للصحفيين تعليقه الشهير ” زيارة كريمة لملك كريم ” وهو التعليق الذى حدد استمرار الجماعة فى لعبة التوازنات السياسية سعيا للسلطة .. مع كل ما عرف فى ذلك الوقت عن فاروق ومفاسده والتى لا تتفق بالقطع مع نزاهة التعليق من الهضيبي
وتغيرت الاحوال بعد الثورة فى عام 1952 ..
فقبل قيام الثورة انعقدت بعض الاتفاقات بين الثوار الجدد وبين الاخوان .. وتصور كل طرف فى صاحبه أنه مخلب القط للوصول لسدة الحكم ..
وبعد استقرار الأمر للثوار تحت قيادة جمال عبد الناصر اثر أزمة مارس 1954 .. وقع الصدام المحتوم عندما تكشفت النوايا ..
فلم يعد الضباط لثكنات الجيش ويسلموا الحكم للاخوان كما تصوروا .. وأيضا لم يلتزم الاخوان فى سياق المعاونة فقط كما تصور الضباط ..,
وبدأت أقسي أزمة للاخوان فى تاريخها .. وتلقفت المعتقلات منهم الكثير وظل الحال كما هو عليه حتى أمسك السادات بمقاليد الأمور فى الحكم بعد فراغه من أزمة مراكز القوى عام 1971 وأزمة تحرير الأرض عام 1973 ..
وكانت الجماعة فى ذلك الوقت تحت قيادة عمر التلمسانى .. وما زالت علاقتهم بالسادات باعتباره من كبار الضباط الأحرار على ما هى من العداء التاريخى بين الفريقين ..
وتدخل فى ذلك الوقت الاقتصادى المصري المعروف المهندس عثمان أحمد عثمان وسعى لوصل المقطوع بين الطرفين بما له من نفوذ ساحق فى الحياة السياسية المصرية وعلاقة جيدة بعمر التلمسانى ..

وجلس المرشد العام على مائدة المفاوضات مع الرئيس السادات واتفق الطرفان على الآتى
* عودة الاخوان للحياة السياسية بالشرعية الغائبة عنهم منذ الصدام الأخير بالاضافة الى فتح المجال على آخره أما التيارات الدينية فى الشارع والمؤسسات المصرية وبرعاية السلطة الرسمية على أعلى مستوياتها..
* وبالمقابل يكون على الاخوان باعتبارها المسيطرة على التيار الدينى العمل بالجهد الكافى لانهاء سطوة التيارات المناوئة للسادات فى الحياة السياسية وعلى رأسهم التيارات الناصرية والشيوعية والتقدميين

وعليه فنحن أمام اتفاق دنيوى تام .. لا أثر مطلقا فيه لنية دينية خالصة

وانفتح القمقم على حد تعبير الكاتب السياسي العملاق محمد حسنين هيكل ..
ولم يدرك أيا من الطرفين عواقب الأمر الا بعد فوات الأوان
فلم يكن التيار الاخوانى زعيما على مختلف التيارات الدينية .. ولا كان صداع الناصريين والشيوعيين بالخطورة التى تصورها السادات ..
خاصة مع انحسار الباب بشدة أما الناصرية والشيوعية وعدم نفاذهما بالقدر الكافى الى الشارع المصري وذلك لمخالفة مثل هذه الدعاوى للفطرة الشعبية المصرية الأكثر انفتاحا على الجانب الدينى بحكم متغيرات التاريخ والثقافة الحاكمة للشعب المصري
والأكثر خطورة هو ظهور التنظيمات الخاصة بالجماعات الاسلامية من رحم الاخوان فى فترة المعتقلات وسعيها الكامل للاستقلال عن الاخوان وهو ما حدث بالفعل حتى هاجموا الاخوان أنفسهم واتهموهم بخيانة عهد بناء الدولة الاسلامية .. وعليه سعت الجماعات لأخذ المبادرة من يد الاخوان فى الشارع المصري ..
كل هذا .. والاخوان والسلطة الرسمية فى حالة غياب كامل عما يحدث .. واستفادت الجماعات من الحرية والحماية الكاملة من الدولة فى اطار الصفقة المتبادلة وانطلقت تجمع الأتباع ضد النظام نفسه الذى كان سببا فى خروجها وانفتاحها
وساعدها النظام بالغفلة فى بداية الأمر .. وبالممارسات الحمقاء بعد اكتشاف الأمر
ومع أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات ظهرت الحمم .. واستعد البركان للانفجار .. وبلا رحمة ..

ثانيا .. البركان

سيطرت الجماعات الاسلامية على النقابات والجامعات وبدأت فى فرض سطوتها بالسلاح تحت رعاية الدولة .. وفيما بعد ومع تصاعد نبرة الانتقاد والهجوم الكاسح من الجماعات ضد النظام الحاكم وبعض الممارسات المستفزة والتى استغلتها الجماعات لاستقطاب الأنصار تحت دعاوى كفر النظام ..
وبمزيج من ممارسات النظام وجهل الشباب بأصول الدين الصحيحة .. زادت شوكة الجماعات ..
ويمكن القول أن الجماعات الاسلامية كانت لها تنظيمات ثلاث رئيسية

الأول ..
” تنظيم الجهاد ” والذى بدأ مع سالم الرحال الطالب الأردنى الجنسية بالجامعات المصرية .. وفيما بعد نشأ تنظيم الجهاد الثانى على يد محمد عبد السلام فرج مؤلف أو جامع كتاب ” الفريضة الغائبة ” والذى يعد دستور التنظيم .. وهو أيضا أحد المتهمين الرئيسيين فى قضية اغتيال الرئيس السادات فى أكتوبر عام 1981

الثانى ..
” حزب التحرير الاسلامى ” وهو التنظيم الذى أسسه الدكتور صالح سرية والذى قام بالعملية المعروفة باسم عملية الكلية الفنية العسكرية والتى هاجم فيها مع مجموعة من رفاقه مبنى الكلية الفنية العسكرية بالقاهرة .. وتم القاء القبض عليهم وحوكموا ونال بعضهم احكاما بالعدام ..

الثالث ..
” التكفير والهجرة ” .. وهو التنظيم الذى أنشأه شكرى مصطفى واشتهر هذا التنظيم باختطافه الشيخ الذهبي وزير الأوقاف وقتها وهددوا باغتياله لو لم يتم اعلان وثيقتهم فى وسائل الاعلام والتى تحوى على اتهامات بتكفير النظام وخروجه عن جادة الشريعة .. ونفذوا تهديدهم بالفعل وقتلوا الامام الذهبي ..

والملاحظة الهامة ..
هى أن الأمن المصري كان غائبا تماما عن هذه التنظيمات ولم يعلم بوجودها حتى مع انكشاف عملياتهم .. ولم يتخيل رجال الأمن أن هذه العمليات خلفها تنظيمات ارهابية وليست مجرد عمليات فردية لشباب غاضب على سياسة الدولة
ولم تنجلى الأمور الا بعد اغتيال الرئيس السادات رحمه الله على يد تنظيم الجهاد .. هنا بدأت أجهزة الأمن فى جمع المعلومات بعد خراب مالطة كما يقولون ..

وكان من الواجب أن ينتبه النظام الى هؤلاء بعد اقدامهم على مهاجمة الاخوان واتهامهم بخيانة عهد الدولة الاسلامية .. مما حدا بعمر التلمسانى الى مهاجمة الجماعات فى عقر دارها بجامعة أسيوط فى صعيد مصر عبر ندوة عقدت هناك ..
واذا كانت الجماعات قد هاجمت الاخوان أنفسهم فمعنى هذا أنهم خرجوا عن نطاق السيطرة وهو الاستنتاج الذى غاب عن رجال الأمن تماما
وعندما اغتيل الرئيس السادات .. قبيل عيد الأضحى .. شرعت الجماعات وعلى رأسها تنظيم الجهاد تعد العدة للهجوم الكبير .. وفى أثناء صلاة عيد الأضحى .. تمت مهاجمة مقرات الشرطة جميعا فى مدينة أسيوط وعلى رأسها مبنى مديرية أمن أسيوط نفسها بل واحتلوا المبنى تحت قيادة ناجح عبد الله زعيم التنظيم فى أسيوط وقتلوا وجرحوا العشرات من الضباط والجنود والعامة ..
وكانت المفاجأة الصاعقة لرجال الشرطة أن المهاجمين شبابا لم يتعدوا الثلاثين على الأكثر .. وبلغت براعتهم حدا رهيبا فى استخدام السلاح الآلى المتواجد معهم بكثرة على الرغم من غلو ثمنه بالمقارنة لما كان عليه حال هؤلاء الشباب
وتم هذا أيضا فى غياب رجال الأمن الذين صعقتهم براعة المهاجمين الفائقة وحداثة أسلحتهم واصرارهم الفائق على الهجوم ..
وأخذوا يتساءلون .. من أين أتى هذا الاصرار ؟!! ومن أين أتت العزيمة ؟!!
وكانت الاجابة بسيطة رغم فداحة أثرها ..
فقد تم التغرير بمعظمهم فى فكر فاسد بثه الى عقولهم الفارغة والمتعطشة للتدين عقول أكثر حنكة تعرف من أين تأتى بمداخل هؤلاء الشباب واستثارتهم بدعوى تكفير النظام اعتمادا على الممارسات الغريبة التى مارستها الدولة من الصلح مع اسرائيل دون افهام للعقول ومن الانحلال الخلقي والفساد الاقتصادى الذى انتشر بشدة عقب الانفتاح ..
ولذلك لم يجد الشباب المغرر به اجابة منطقية وردا شافيا على من قالوا بوجوب محاربة النظام الكافر ..
لم يجد الشباب من يرشدهم بالعلم الى الفارق الجوهرى بين الكفر والعصيان
لم يجد الشباب من يفهمهم أن القتل وترويع الآمنين هو أبعد ما يكون عن صحيح الدين
لم يجد الشباب من يعلمهم أن الاصلاح لا يكون بالسلاح بل بالمناجزة الفكرية والثورات البيضاء
لم يجد الشباب من يذكرهم أن الفتنة أشد أثرا من الحاكم الظالم ..

وهكذا تفجرت المواجهات على نطاق واسع بين رجال الأمن وبين المتطرفين على مدار الثمانينيات وبداية التسعينيات .. ولم يفرق النظام بين الاخوان وبين الجماعات .. فكان للاخوان حظهم من التنكيل والتحجيم حتى وقتنا هذا ..
وبالمقابل لم يقدم الاخوان ما يطمئن النظام القائم الى نبل الهدف فى الاصلاح دون الغرض الدنيوى فى الحكم ..
بالطبع لم يكن اضطهاد الاخوان بنفس الحدة التى كانت عليها الحرب المستعرة على الجماعات ..
وهذا ما أسفر عن آلاف الضحايا خلال تلك الفترة

هذه هى باختصار قصة البداية والمواجهة فى التجربة المصرية مع الجماعات الاسلامية
وللحديث بقية عن نهاية القصة وما أسفرت عنه من نتائج مأساوية وصمت الاسلام بأبشع الاتهامات تحت آثار صراع السلطة وغياب الهدف المخلص فى الاصلاح

وقد كان الصراع على أشده بين الطرفين على جميع المستويات منذ اغتيال الرئيس السادات عام 1981 أثناء العرض العسكرى فى أكتوبر من هذا العام على يد تنظيم الجهاد الثانى .. وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضى ..
وخلال هذه الأعوام كان الصراع مريرا وداميا وأدى الى جراح ليس من السهل أبدا محو آثارها ..
والغريب ..
أن السلطة الرسمية التى كان لها كل الحق فى مواجهة محاولات هز الاستقرار .. تقاسمت مسؤلية هذه الآثار السلبية التى علقت بالاسلام على نحو ما سيأتى

ثالثا ..النهاية

لأن أجهزة الدولة الرسمية كانت فى حالة غياب كامل عن هذه التنظيمات ومدى قوتها .. وعلى رأس هذه الأجهزة .. أجهزة الأمن على اختلاف مستوايتها على النحو الذى أدى الى مفاجأة اغتيال رئيس الدولة فى مشهد غير مسبوق .. وبعده أحداث أسيوط الدامية ..
أدى هذا بالطبع الى حالة من انعدام الوزن لدى السلطة الرسمية أعقبها حالة من الغليان والغضب والهيجان لدى أجهزة الأمن والتى استلمت ملف هذه الجماعات فى ظل تطبيق قانون الطوارئ ..
وكان الدافع الى هذا القرار هو الخوف العارم وجهل مدى قوة الجماعات خاصة مع ظهور عملياتها التى زعزعت الأمن تماما .. لذا لم تجد السلطات بدا من التحرك السريع
وبدأت الحرب الحقيقية بين الطرفين بعد ادراك الأمن هوية خصمه الحقيقية ..
وتفجرت عشرات المواجهات المسلحة فى شتى ربوع مصر كان أفدحها فى محافظات الصعيد المصري ..
وتكشفت أيضا عشرات التنظيمات المسلحة ولكل منها أمير وأعضاء وقوة مسلحة تسمى بالجناح العسكرى ..
وعندما تزايدت حدة المواجهة .. خاصة مع تقديم الجناة الى المحاكمات العلنية فى القضايا ذات الأسماء الشهيرة مثل قضية تنظيم الجهاد وقضية العائدون من أفغانستان وغيرها ..
ومع اهتمام الراى العام بما يحدث ..
خاصة وان الضرر كان يقع عليه مباشرة من عمليات الارهاب
لهذه الأسباب دعت الحاجة بالحاح الى وجوب حشد المواطنين اعلاميا واكتسابهم الى صف الدولة والسلطة الشرعية ..
وانهالت المقالات والتحقيقات الصحفية والأعمال التليفزيونية والسينمائية والروايات التى تعالج التطرف
كما تم فتح الباب على مصراعيه أمام العلمانيين الكبار لدحض مزاعم الارهاب .. وانهالت الكتابات العلمانية ضد دعوة الجماعات باقامة الدولة الاسلامية ومعظمها صدر عن وزارة اثقافة والأجهزة التابعة لها
ولأن المقال لا يهتم بالتفاصيل الخاصة بالأعمال الارهابية بل يناقش دعوة الجماعات المسماة بالاسلامية وآثارها .. لذا فانا أركز على الآثار تاركا تفاصيل العمليات لعشرات المطبوعات التى عالجت هذه الجرائم ..
وعندما انتهت المعركة الأساسية وتم تدمير المنظمات الرئيسية للجماعات وانهاء قبضتها واستتابة البقية الباقية منهم واخضاعهم للرقابة .. خرجت الدولة منتصرة ..
لكن مع هذا الانتصار .. كان الثمن الفادح ..
ولنتبين هذا .. تعالوا نتأمل الساحة بهدوء .. ونقرأما هى أخطاء الدعوة المسممة للجماعات وما هى أخطاء الدولة ..

أخطاء الجماعات وخطاياها

لسنا بحاجة الى التأمل الدقيق .. ليمكننا تفنيد هذه السموم الفكرية بسهولة للجماعات الارهابية ..
فأصل دعوتهم التى استترت بنداء الدولة الاسلامية كان يشي بوضوح بفساد هذا الفكر القائم على تكفير المجتمع والسلطة واستباحة الدم والأموال سواء من المسلمين أو أهل الذمة الذين ضمن لهم الاسلام حقهم فى العيش الآمن
ومنذ أن نشأت هذه الجماعات فى قلب السجون والمعتقلات كما سبق أن أوضحنا وهى تؤمن بفكرة التكفير .. وهى الفكرة التى فندها أكثر من مرة الامام حسن الهضيبي المرشد العام الثانى للاخوان عندما شعر بذيوع هذا الفكر بين شباب الاخوان المعتقلين الذين كونوا فيما بعد نواة الجماعات الارهابية .. وعلى الرغم من جهود الامام الهضيبي الا أن القدر سار سيرته وانشق هؤلاء وكان من أمرهم ما كان ..
وغاب عن هؤلاء مغبة اتهامهم النظام والناس فيمن سواهم بالكفر
كما غاب عنهم أقوال السلف الصالح
” كل يؤخذ كلامه ويرد .. الا صاحب هذا القبر ”

” لا ينبغي أن يكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان فى كفره خلاف ”

” اذا صدر كلام من قائل يحتمل الكفر على مائة وجه ويحتمل الايمان من وجه واحد .. يؤخذ كلامه على محمل الايمان ”

وكذلك قول الامام بن حصين الذى استغرب سرعة اصدار الأحكام فى عصره فقال ” يؤتى الى أحد منهم مسألة .. فيقضي بها فى مجلسه ولو أن هذه المسألة عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر ”
فما بالنا بحكم كحكم الكفر .. هل هان امره حتى يوزع يمينا وشمالا ..
بالاضافة الى الأحاديث النبوية الشريفة التى قطعت بضمان حياة الأمان لأهل الذمة .. ويأتى هؤلاء الضالون فيوسعونهم قتلا ونهبا بدعوى الجهاد ..
ولا ننسي تكفير النظام الحاكم .. والذي أصدرته الجماعات فى خفة عقل ليس لها مثيل ..
فنحن ان اختلفنا مع نظام الحكم .. فهل نرميه بالكفر الذى يجيز الخروج وهو يستحق لفظ العصيان على أقصي تقدير .. وما أبعد الفارق بين الكافر والعاصي . ..
وبفرض جدل .. أن النظام الحاكم أتى ما يستحق عليه اتهامهم بالخروج عن الملة والعياذ بالله .. فمن هو المنوط به تقرير هذا .. ومن من حقه استتابته .. هل هؤلاء الفئة الصغيرة سنا وعلما ؟!!!!
ثم نأتى لكارثة انكار فضل العلم والتى اوردها محمد عبد السلام فرج فى كتابه ” الفريضة الغائبة ” والذى قرر فيه أن الجهاد لا يعدله شيئ فى الطاعات وينبغي على المسلمين ترك العلم والانشغال به والسعي للجهاد !!!!
وهو قول منكر بلا شك .. فلو سلمنا بأن ما يدعو اليه هو الجهاد الحقيقي .. فكيف يمكن تصور انكاره لفضل العلم والحض عليه الثابت بالقرءان والسنة ثبوتا قاطعا ..

منها كمثال بسيط ” اطلبوا العلم ولو في الصين ”
” ما من أحد خرج فى طلب العلم الا وملك موكل به يبشره بالجنة ”
” يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر ”

ولا ينسي ما ادعاه هؤلاء الجناة ..عبر أحد أهم تنظيماتهم .. الجهاد الاسلامى الذى برر داعيته عبد السلام فرج انتشار الاسلام قديما فى دعوته الى حد السيف .. وهو قول مجرم .. أيما اجرام ..
فكيف يمكن وصف الدعوة المطهرة التى انتشرت بمبدأ ” ادفع بالتى هى أحسن ” ومبدأ ” لا اكراه فى الدين ” .. كيف يمكن وصفها بأنها انتشرت بحد السيف وهى المدافعة الأولى عن حرية الاعتقاد ؟!!

هذه هى أفكارهم .. وكتاباتهم التى كان من أهوالها وأفعالها ما كان .. وكذلك أعطت الفرصة الذهبية لشتى الفرق الفكرية المغرضة لمهاجمة الاسلام ودعوته اعتمادا على هؤلاء المتحدثين باسمه
فرأينا فرج فوده ومحمد خلف الله وغيرهم ..
ليس هذا فقط .. بل بادروا باغتيالهم ليتحولوا الى شهداء للفكر والديمقراطية !!!
فاغتالوا فرج فوده عام 1992 أمام منزله جزاء لما كتب .. وبالطبع صب هذا فى مصلحة العلمانية ودعاتها .. وذلك بدلا من مواجهته فكريا
وزادت مصائب الجماعات الاسلامية فى مصر ..
عندما شدوا الرحال الى أفغانستان أثناء معركتها مع الاتحاد السوفياتى هربا من قبضة الأمن القوية فى مصر ..
وهناك بالخارج نشأت تنظيمات جديدة ضمت عدة جنسيات عربية واسلامية منها ما أنشئ أساسا بأموال ودعم غربي .. ثم رأيناهم ينقلبون كالعادة لمواجهة صانعيهم وتضرب أفعالهم فى شتى بقاع الأرض لتصبح الدعوة الاسلامية على أيديهم دعوة قتل وتخلف ..
هؤلاء هم المتحدثون بالاسلام الذين شوهوا صورته بما لم ينتظره الغرب أو يتمناه فى أحلامه .. وسدوا الطريق أمام أية دعوة أصولية جادة بوصمها مسبقا بفساد المنهج والفكر …
حتى الجماعة الوحيدة التى بقيت كعنوان لدعوة الأصولية الحديثة وضمت بين أعضائها علماء أجلاء ومفكرين اسلاميين عمالقة ..
وقعت هذه الجماعة .. جماعة الاخوان المسلمين بين شقي رحى ..
بين أخطائها ودخولها الى لعبة السياسة طمعا فى الحكم …
وبين التشويه المسبق لكل ما هو اسلامى على يد من انشقوا عنهم من جماعات الارهاب

أخطاء النظام المصري

ارتكب النظام المصري جملة من الأخطاء الفادحة من بداية المواجهة بين الاخوان والثورة عام 1954
كانت بدايتها بحملات القتل والتعذيب والتشريد للاخوان المسلمين على مدار سنوات طويلة مما له الأثر المباشر والسبب الأول خلف نشأة الجماعات من رحم الاخوان فى المعتقلات ..
وكان ثاتى الأخطاء غياب الوعي السياسي عن الصفقة التى عقدت فى السبعينيات بين الاخوان والنظام المصري كما سبق أن أوضحنا
وكان داعي الصفقة انهاء الوجود السياسي لبعض العناصر السياسية غير المرغوب فيها .. وتوهم النظام وهو يمنح الحرية والحماية للتيار الدينى ان الاخوان هم القوة المسيطرة على هذا التيار فكانت النتيجة الدامية وهى استفادة العناصر المتطرفة من الحماية المفروضة لها من النظام الحاكم
وثالث الأخطاء .. الغياب الأمنى عن التنظيمات الارهابية وعن نشأتها وسبل تدعيمها المادى وقدراتها وبراعتها العسكرية الفائقة مما سمح للجماعات بالخروج وهى مكتملة النمو لتفاجئ النظام الأمنى بعمليات نالت من هيبة الدولة ..
وعندما اكتشفت السلطة الرسمية هذه التنظيمات .. وسعت للحركة السريعة ارتكبت أفدح أخطائها على الاطلاق ..
أولا خلطت الحابل بالنابل .. ووضعت الاخوان مع سلة الجماعات وتعاملت مع الفئتين على أنهم جبهة واحدة على الرغم من الاختلاف الصارخ بينهما
وكان هذا الخطأ هو الخطأ الرابع والذى يتمثل فى احالة ملف الجماعات والاخوان الى الأمن .. والأمن منفردا ..!!!!
بالرغم من أن الواجب هنا ونحن نواجه فكرا فى المقام الأول ..
أن يتم الفصل بين ملف الاخوان ومعاملته على أنه ملف سياسي .. عن ملف الجماعات والذى كان من الواجب معاملته سياسيا وأمنيا
فيتولى الأمن مواجهة العمليات الارهابية …
وتتولى المؤسسات الفقهية والثقافية تفنيد الدعاوى الفكرية الفاسدة لهذه الجماعات وذلك منعا لانضمام المزيد من الشباب الغائب عن الوعى الدينى الصحيح اليهم .. وهو ما لم يحدث وانضمت للجماعات أسرابا متتالية كان من الممكن تداركهم قبل السقوط ..

اضافة للزمرة التى انضمت للجماعات وهى أساسا غير مقتنعة بأفكارهم نهائيا .. ولكن جاء انضمامهم وهم من شباب الصعيد من عائلات بعض عناصر الجماعات التى تم هتكها ومعاملتها بذنب أبنائها المخطئين مما دعا ببقية أفراد هذه العائلات الى الانضمام للجماعات سعيا للانتقام من أجهزة الأمن التى استباحت كرامتهم وليس ايمانا بفكر هذه الجماعات

وعندما انتبه النظام متأخرا لهذا الجانب الغائب .. ارتكب خامس الأخطاء .. وتمت معاملة الأمر اعلاميا على نحو بالغ الاستفزاز ..
فبخلاف فتح الباب أمام العلمانيين والسماح لهم بمهاجمة العقيدة الاسلامية ..
تمت معاملة الأمر اعلاميا على أن الجماعات تحمل لواء الاسلام وبالتالى أصبحت الحرب تلقائيا وبدون قصد ضد الاسلام ..
ولايضاح هذا ..
أصبحت اللحية معالجة اعلاميا على أنها من علامات الارهاب .. وأصبحت الصلاة فى المساجد كذلك .. وأصبح العامة ينظرون الى كل متدين على أنه ارهابي وتمت معالجة بعض الثوابت الدينية الأصيلة على أنها من فكر الجماعات الفاسد ..وغير ذلك من الممارسات الخاطئة وغير المقصودة التى صبت فى جانب تلويث الاسلام بما ليس فيه .. وكل هذا نتيجة طبيعية جدا للجهل التام والمغرق بحقيقة الاسلام وعدم الاهتمام الكافى بمواجهة الجماعات فكرا بفكر وما كانوا ليصمدون ساعة من نهار أما منطق الاسلام الصحيح لو أتيح التركيز الاعلامى على شيوخ الاسلام للتفرقة بين ماهو ارهابي وما هو اسلامى

هذه هى أخطاء الجانبين ..
وما نعيشه الآن من آثار مدمرة أرهقت الاسلام ودعوته

خاتمة الدراسة

تم التعرض فيما سبق بقدر الامكان لقصة الخنجر المسموم بنصله ومقبضه
من العلمانية والشيوعية ودعاتهما ..
الى الجماعات الارهابية التى تحدثت باسم الاسلام .. والاسلام منها براء …
فأين الأمل وأين الحل ؟
كيف السبيل الى النظام الاسلامى الصحيح … ؟
كيف السبيل الى الدعوة الأصولية كما كانت على فطرتها الأولى ؟
الحل كما أراه .. وهو بسيط .. بسيط …
الحل مع العلم .. والدعوة الى الله بالصلاح لا بالسلاح ….
هذه هى حقيقة الاسلام وجوهره الذى أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأفذاذ..
هذا هو الحل الذى تمنطق به أول سفراء الاسلام مصعب بن عمير عندما جلس رضى الله عنه الى زمرة من أهل المدينه المنورة قبل الهجرة يدعو الى الاسلام بالحسنى .. وفوجئ بأحد زعماء المدينة وقد أتى اليه متوشحا حربته موجها الى مصعب كلماته القاسية فى أمر مباشر بالكف عما يدعو اليه ..
فماذا فعل مصعب ..؟
هل واجهه بالسيف دفاعا عن دعوته ؟
لا والله ..
بل توجه اليه قائلا
” ألا تجلس وتسمع .. فان راق لك ما تسمعه .. انضممت الينا .. وان كرهته .. كففنا عنك ما تكره ”

أرأيتم روعة المنطق الواثق الذى مكن مصعب من ابتلاع غضب الثائر بالعلم والاقناع .. وحكمه الى نفسه واقتناعه ثقة فى علمه ومنطقه
هذا هو السبيل .. الدعوة فى غير فتنة .. ولا خروج على الحكام بما يفتح الباب أما حمامات دم تغرق البرئ قبل المسئ ..
ان من حقي الاختلاف مع حكومتى ..
من حقي الهتاف ضدها ومهاجمتها وتفنيد سياستها ان لم أقتنع بها عبر الطرق السلمية والشرعية ..
لكن ليس من الاسلام والاصلاح فى شيئ حمل السلاح أو السعي للانقلاب على الشرعية القائمة
وقد ذقنا الأمرين فى عهود سابقة من المعارضة بالسلاح والانقلابات على أنظمة الحكم .. فماذا كانت النتيجة ؟!!..
أتت الثورات بنظم حكم أشد ديكتاتورية من سابقتها ..
لكن .. ومع تأمل التجربة البريطانية فى الثورة البيضاء ..
نلاحظ الفارق .. فارق المواجهة بالفكر والدعوة الى الاصلاح فى غير طمع وغرض بالحكم ..
أما أن أشهر السلاح .. فهذه هى الفتنة
أو أشهر فكر الاصلاح وفى أعماقي غرض فى كرسي الحكم .. أى أنها ليست دعوة خالصة لوجه الله .. فهذه هى قولة الحق التى يراد بها الباطل ..
أما ان أهتف بالاصلاح .. وقلبي قانع بالوصول اليه على يد والى الأمر هذا أو ذاك .. فهذا هو الجهاد الحقيقي ..
وليس الأمر بالصعوبة التى يتصورها البعض ..
لكن الصعوبة الحقيقية تكمن فى اخلاص النوايا …..

تمت الدراسة بفضل الله وتوفيقه

بسم الله الرحمن الرحيم
” ان أريد الا الاصلاح ما استطعت .. وما توفيقي الا بالله ”
صدق الله العظيم

مصادر الدراسة .. (1)

انحسار العلمانية فى جامعة القاهرة ــ للدكتور عبد الصبور شاهين
(2) البداية والنهاية ـ للامام بن كثير
(3) مصر بين الدولة الدينية والمدنية ـ نص مناظرة معرض الكتاب بالقاهرة عام 1992 بين الفقهاء وبين العلمانيين ..
(4) خريف الغضب ـ للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل
(5) التعصب والتسامح ـ الامام محمد الغزالى
(6) قنابل ومصاحف ” فصة تنظيم اجهاد ” ــ لعادل حمودة
(7) أسرار محاكمة قتلة السادات ـ للكاتب الصحفي حسنى أبو اليزيد
(8) صحف ومجلات ومطبوعات متنوعة

تمت بحمد الله