بين العقل والدين
تعالوا وبالحوار العقلي وحده أثبت لكم خطأ وجهة نظركم , والله من وراء القصد
ونبدأ من عند قولكم ,
وسؤالي للمتحاورين …. ما دور العقل إذا كان لا يستطيع تجاوز حدود معينة ؟؟.. أو أن يطرح أسألة كبيرة تراوده ويمنع من البحث فيها … أو إذا لم يقتنع بالإجابات الجاهزة المعدة له منذ قرون … ما دوره أو ما الحل في مأزق العقل هذا من وجه نظركم … ؟؟ |
الحل أبسط مما تتصورون
فالعقل الذى نجبره على عدم تجاوز حدود معينة , لسنا نحن من نجبره بل يجبره الله تعالى
ليس بهدف الإجبار بل بهدف توفير طاقته عن أمور تعلو إدراكه
فالمقصود بالعقل الذى يجب عليه أن يقف عند حدود معينة ليس كل عقل
بل هو عقل المسلم وحده
المسلم الذى استخدم ذات العقل بحرية كاملة للوصول إلى حقيقة وجود الله
ولم يحجر عليه أحد عندما اختار الإسلام دينا
وله قبل دخوله الإسلام أن يناقش أى قضية شاء بلا محظورات
وهذا أمر طبيعى لا يحتاج شرحا
فالله عز وجل سمح لعباده أن يناقشوا وجوده من عدمه وبالتالى فليس هناك بعد هذا محظور يمكن تحريمه
وعندما يقتنع عقلك ويسلم بحقيقة وجود الله وبحقيقة أن الإسلام هو الدين الخاتم وبحقيقة أن محمد عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام
وأن الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وأن الناس توفي أجورها يوم القيامة وأن الله تعالى بجلاله وصفاته وكماله لا يقارن به مخلوق
وبأن ما قرره الله عز وجل فى القرآن والسنة هو حدود المسلم
وفقا لقوله تعالى
[وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا] {الأحزاب:36}
طالما سلمت بكل هذا مع شهادة ألا إله ألا الله محمد رسول الله
فليس لك هنا أن تأتى فتطلب اقحام عقلك فيما قضي الله عليك كبشر أن تقف عنده
مصداقا لقوله تعالى
[وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}
وهذا ما يتطلبه التفكير المنطقي
فكما سبق القول , قلنا أن شهادتك لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة عليه أفضل الصلاة والسلام تعنى أنك أسلمت وسلمت
لأن الفرصة منحت لك كاملة فى التساؤل والتردد والتشكيك والتفكير بكل ما يخطر ببالك
على نفس النحو الذى فعله المستشرقون طيلة عقود وانضم جمع غفير منهم للإسلام عقب قضائهم عشرات الأعوام فى البحث والتنقيب عن الشبهات التى ردها علماء الإسلام ومفكريه فاقتنعوا وسلموا وأسلموا
وعندما نقول أسلمنا
فمعناه أن رضينا بالشهادة وتوابعها وما يسلتزم لها
فليس لك أن تقبل من الدين ما تشاء وترفض منه ما تشاء
فالله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك
فإما أن تكون مسلما مسلّما لله فيما أمر به على لسان نبيه عليه الصلاة والسلم وإلا فلا
وهذه هى حقيقة الإيمان لأن الله تعالى غنى عن العالمين
غنى عنى وعنك وعن عقلك وعن شكوكك
وما ذم القرآن أحدا قط بعد الكافرين قدر ذمه للمرتابين والمنافقين وهم الفئة التى تقول بانتسابها للإسلام ثم تجعل وظيفتها فقط أن تثير فيه الشبهات سواء عن عمد أو عن شك فى الدين كله
أو عن اعتداد بقوة العقل فى مواجهة خالقه
يقول تعالى
[أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ] {النور:50}
وشرط الإيمان التسليم المطلق بالغيب بلا مجادلة , وإلا فلا يقبل الله من العبد صرفا ولا عدلا ولو كان نبيا من الأنبياء
ولو أنك تأملت قليلا بقلب مفتوح فى آيات الله بكتابه العزيز لوجدت هذا واضحا جليا
إذ أن الله تعالى لم يقبل من إبراهيم عليه السلام نفسه وهو خليله وصفيه وأبو الأنبياء , لم يقبل منه أن يختبره فى إحياء الموتى فقال إبراهيم
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى }
فلم يجبه الله تعالى مباشرة
بل قال عز وجل
{ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
فلو لم يعلن إبراهيم عليه السلام إيمانه المسبق لما استجاب الله له أصلا
ويقول عز وجل بعد ذلك
{قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا }
استجاب الله لرغبة نبيه إبراهيم وأراه كيف يحيي الموتى ولكن أعقب ذلك بقوله تعالى
{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قال اعلم أن الله عزيز حكيم مع أن مقام الآية هنا أن يقول فاعلم أن الله على كل شيئ قدير
فلماذا فى وجهة نظرك قال تعالى واعلم أن الله عزيز حكيم
لأن الله تعالى لو قال بقدرته فقط كان معنى هذا أنه استجاب لرغبة عبده الذى يريد اطمئنان القلب برؤية العين ولكن قال أنه عزيز حكيم
ومقام العزة هنا معناه أنه يقول لنبيه
اعلم أننى عزيز متفرد عن فعل هذا والاستجابة لك وما فعلته لك إلا لأنى حكيم مع العزة , فأدرك أنك مؤمن حقا وتريد أن ترى عين اليقين بعد حق اليقين
والآن بعد هذه الجولة الفكرية فعلى أى جانب ترى نفسك يا صديقي
هل تحتاج أن أناقشك فى وجود الله وفى حقيقة الإسلام فأثبتها لك عقلا حتى تصدق بها نقلا ؟
أم ترى أنك مسلم مؤمن وعليه تسلم بأن أوامر الله ونواهيه وأمره بعدم السعى وراء المتشابه أمر ممنوع بقوله تعالى
{ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ }
والله عز وجل فى دين الإسلام أتى بمطالبة المسلم أن يستخدم عقله ويتفكر فى أكثر من سبعمائة آية , فهل بعد هذا الكم من المطالبة بالعقل نقول أن الإسلام يحتكره
إنما يقول ذلك من اتخذ الإسلام دينا بالوراثة ولم يتعمق فيه واكتفي بوصفه مسلم وحسب
وهذا ليس عيب الإسلام بل عيب معتنقيه هذه الأيام
القرآن الكريم ردد الدعوة إلى التفكر أكثر من سبعمائة مرة .,
لكنه حرم استخدام العقل فيما يبتغيه العلمانيون وهو أن يجعلوا همهم فقط التشكيك ومناقشة القضايا التى ليس منها نتيجة تحت ستار حرية الفكر واستخدام العقل
فما الذى سيصل إليه العقل عندما يجهد نفسه بالبحث عن الروح مثلا والله عز وجل قال بأنها غيب
وما الذى سيصل إليه العقل عندما يحاول تقنين القوانين الغيبية لعقله فيحاول وصف الحساب أو تكييف الأوصاف على خالق الكون ؟!
ما النتيجة المتوقعة غير الضلال المبين
فدعوتكم تلك إنما هى دعوة بالعقل لقتل العقل
وحرية الفكر تختلف عن فوضي التفكير
وإن المرء ليعجب حقا كيف يبلغ تفاهة التفكير درجة ترك قضايا فكرية أعظم وأكبر فائدة والاشتغال بمناقشة وجود الله مع المسلمين , !
مع أن وجود الله ووجوب اتباع شريعته هو أمر مسلم به قطعا عند المسلمين وعندهم الإثبات بالقرآن الذى يؤمنون به
واني لأستغرب من هؤلاء الذين يستنكرون على الله أن يجعلوا أنفسهم لعبادته
مصداقا لقوله تعالى
” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ”
والعبادة ليست فقط فى رفع وخفض الرأس فى الصلاة بل العبادة فى القيام بالأركان والإلتزام بحقائق الإيمان والعمل على مرضاة الله بالأبدان
والعبد الصالح فى عبادة دائمة طيلة يومه حال قيامه وحال سكونه وحال عمله وحال قيامه بمسئولياته
ووجه الاستغراب هنا من أهل الفكر الحر كما يسمون أنفسهم ,
أنهم كبشر عندما يصنعون جهازا ما ليعاونهم على حياتهم يستنزفون طاقته لصالحهم , وتخيلوا معى لو أن جهاز كمبيوتر رفض الاستجابة لأوامر صانعه ,
وقال الكمبيوتر أنه يطالب بأن بحقه فى الاستقلال وألا يعطى سيده إلا وقتا محددا ؟!!
تخيلوا معى ماذا سيكون رد فعل الصانع
سيلقيه من النافذة حتما لأنه مصنوع لخدمته
فإن كان هذا حال البشر فكيف بخالق الخلق ؟!
ومع ذلك فإن الله تعالى لا يعجل لنا العذاب بما نستحق ولا يعادينا برزقنا مهما عصيناه فى عبادته !
والوجه الآخر ,
أنهم يزعمون الإيمان بالله ويعلنونه بأسنتهم ,
فإن قلنا لهم تؤمنون بالله الخالق القدير
قالوا نعم
وإذا قلنا لهم أنه خالق قدير وفى نفس الوقت شارع حكيم .. رفضوا ونادوا بتقنين بشري ؟!
فيا عجبا على الإيمان المائع
النقطة المشتركة التي أجتمع عليها المتحاورين في هذا المتصفح هو سل سيف العقل في كل ما يخدم الدين … وأغماده في حال كان العقل في حالة تناقض أو تساؤل أو فضول مع مسلمات هذا الدين .. مع العلم أن الأساس والضرورة في أستخدام العقل هو عند المرور بهذه الحالة من الشك … |
ومن قال لك يا هذا أن الدين يحتاج خدامتك أو خدمات عقلك ,
وكأنى بك وأنت تقول استخدام العقل في كل ما يخدم الدين , تشبه الدين كأنه مجال نشاط انسانى كالمجال السياسي أو الاجتماعى !
أو لم يبلغك قوله تعالى
[يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] {الحجرات:17}
إن الله تعالى غنى عن العالمين , ودينه غنى عن المرتابين
ولذلك نرى أن الأبداع يكون ضيق بنفس نسبة المساحة المتاحة له من العقل … وهذا الكلام إثباته واضح ودليله ملموس إلا لمن أراد البلادة كأسلوب للتفكير .. |
البلادة الحقيقية فى التفكير عندما تشاهد منحرفا يستخدم موهبته الأدبية أو الفكرية فى ضرب الثوابت الأخلاقية وهو ينادى بالفكر
أو لا يعتبر الفكر حرا إلا إذا تعرضنا لذات الله بما يسميه العلمانيون أدب الحداثة , على غرار ما نراه من شرذمة المنحرفين فى الوسط الأدبي ؟!
أو لا يعتبر الأدب حرا إلا إذا حوى ألفاظ الجنس ؟!
أو لا يعتبر التعبير حرا إلا إذا وجهت قلمك فقط لإثارة الشبهات والسخرية من علماء الدين ؟!
فهذه الأقوال هى ما سمعناه عندما أتى منحرف مثل صاحب ديوان الآية جيم الذى حاول فيه محاكاة القرآن , وتستر بالحرية
ومثل صاحب وليمة لأعشاب البحر الذى وصف الله بما لا يجرؤ يهودى على وصفه به ودافعت عنه شلة الانحراف تحت ستار الابداع
ومثل سلمان رشدى ونسرين تسليمة والذين لا يساوون فى مقدار الفكر خردلة وصنعتم منهم أنتم نجوما طالما أنهم سلكوا نفس الدرب المميز الذى يناسب ملاهى شيكاغو لكنه أبدا لا يناسب مفهوم الثقافة
فهل هذه هى الحرية العقلية ؟
هل هذا هو إطلاق حرية الابداع ؟
هل هذا ما تنادون به ؟!
إن كان هذا فوالله إن حضارتكم تلك لهى طريق العالم الفعلى إلى الهاوية
كما نشعر جميعا الآن
ودوما أكررها أننا كنا عظماء وعمالقة عندما كنا نحكم امبراطورية الإسلام بدين الإسلام
وما أصبحنا فى ذيل الأمم إلا عندما مسخوا فكرنا بأفكار شواذ الغرب
وإنى والله رغم كل ما رأيت بتعليقك ,
إلا أننى أدعو الله لك مخلصا أن تتدبر كلماتى تلك , لعل وعسي تجد فيها ما يدفعك لتصحيح مسارك
حتى لو كانت لديك أفكار تناقشها فاطرحها على الرحب والسعة
شريطة أن تكون أفكارا للمناقشة لا على عادة موضوعاتك هدفها فقط أن تضرب حيث نؤمن ,
فالعاقبة برغبتك الشخصية هل تريد أن تقتنع أم أنك تنفذ هدفا معينا
والله المستعان