أرشيف ‘المناظرات الفكرية’ التصنيفات

بين العقل والدين

التعليقات مغلقة
بين العقل والدين
هذه محاورة ورد جرى حول حدود حرية العقل فى الإسلام وما هدف الإسلام من منع العقل أن يخوض فى المتشابهات على نحو ما فعله العلمانيون

تعالوا وبالحوار العقلي وحده أثبت لكم خطأ وجهة نظركم , والله من وراء القصد
ونبدأ من عند قولكم ,

اقتباس:
وسؤالي للمتحاورين …. ما دور العقل إذا كان لا يستطيع تجاوز حدود معينة ؟؟.. أو أن يطرح أسألة كبيرة تراوده ويمنع من البحث فيها … أو إذا لم يقتنع بالإجابات الجاهزة المعدة له منذ قرون …
ما دوره أو ما الحل في مأزق العقل هذا من وجه نظركم … ؟؟


الحل أبسط مما تتصورون
فالعقل الذى نجبره على عدم تجاوز حدود معينة , لسنا نحن من نجبره بل يجبره الله تعالى
ليس بهدف الإجبار بل بهدف توفير طاقته عن أمور تعلو إدراكه
فالمقصود بالعقل الذى يجب عليه أن يقف عند حدود معينة ليس كل عقل
بل هو عقل المسلم وحده
المسلم الذى استخدم ذات العقل بحرية كاملة للوصول إلى حقيقة وجود الله
ولم يحجر عليه أحد عندما اختار الإسلام دينا
وله قبل دخوله الإسلام أن يناقش أى قضية شاء بلا محظورات
وهذا أمر طبيعى لا يحتاج شرحا
فالله عز وجل سمح لعباده أن يناقشوا وجوده من عدمه وبالتالى فليس هناك بعد هذا محظور يمكن تحريمه
وعندما يقتنع عقلك ويسلم بحقيقة وجود الله وبحقيقة أن الإسلام هو الدين الخاتم وبحقيقة أن محمد عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام
وأن الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وأن الناس توفي أجورها يوم القيامة وأن الله تعالى بجلاله وصفاته وكماله لا يقارن به مخلوق
وبأن ما قرره الله عز وجل فى القرآن والسنة هو حدود المسلم
وفقا لقوله تعالى
[وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا] {الأحزاب:36}
طالما سلمت بكل هذا مع شهادة ألا إله ألا الله محمد رسول الله
فليس لك هنا أن تأتى فتطلب اقحام عقلك فيما قضي الله عليك كبشر أن تقف عنده
مصداقا لقوله تعالى
[وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}
وهذا ما يتطلبه التفكير المنطقي
فكما سبق القول , قلنا أن شهادتك لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة عليه أفضل الصلاة والسلام تعنى أنك أسلمت وسلمت
لأن الفرصة منحت لك كاملة فى التساؤل والتردد والتشكيك والتفكير بكل ما يخطر ببالك
على نفس النحو الذى فعله المستشرقون طيلة عقود وانضم جمع غفير منهم للإسلام عقب قضائهم عشرات الأعوام فى البحث والتنقيب عن الشبهات التى ردها علماء الإسلام ومفكريه فاقتنعوا وسلموا وأسلموا
وعندما نقول أسلمنا
فمعناه أن رضينا بالشهادة وتوابعها وما يسلتزم لها
فليس لك أن تقبل من الدين ما تشاء وترفض منه ما تشاء
فالله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك
فإما أن تكون مسلما مسلّما لله فيما أمر به على لسان نبيه عليه الصلاة والسلم وإلا فلا

وهذه هى حقيقة الإيمان لأن الله تعالى غنى عن العالمين
غنى عنى وعنك وعن عقلك وعن شكوكك
وما ذم القرآن أحدا قط بعد الكافرين قدر ذمه للمرتابين والمنافقين وهم الفئة التى تقول بانتسابها للإسلام ثم تجعل وظيفتها فقط أن تثير فيه الشبهات سواء عن عمد أو عن شك فى الدين كله
أو عن اعتداد بقوة العقل فى مواجهة خالقه

يقول تعالى
[أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ] {النور:50}
وشرط الإيمان التسليم المطلق بالغيب بلا مجادلة , وإلا فلا يقبل الله من العبد صرفا ولا عدلا ولو كان نبيا من الأنبياء
ولو أنك تأملت قليلا بقلب مفتوح فى آيات الله بكتابه العزيز لوجدت هذا واضحا جليا
إذ أن الله تعالى لم يقبل من إبراهيم عليه السلام نفسه وهو خليله وصفيه وأبو الأنبياء , لم يقبل منه أن يختبره فى إحياء الموتى فقال إبراهيم
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى }
فلم يجبه الله تعالى مباشرة
بل قال عز وجل
{ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
فلو لم يعلن إبراهيم عليه السلام إيمانه المسبق لما استجاب الله له أصلا
ويقول عز وجل بعد ذلك
{قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا }
استجاب الله لرغبة نبيه إبراهيم وأراه كيف يحيي الموتى ولكن أعقب ذلك بقوله تعالى
{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قال اعلم أن الله عزيز حكيم مع أن مقام الآية هنا أن يقول فاعلم أن الله على كل شيئ قدير
فلماذا فى وجهة نظرك قال تعالى واعلم أن الله عزيز حكيم
لأن الله تعالى لو قال بقدرته فقط كان معنى هذا أنه استجاب لرغبة عبده الذى يريد اطمئنان القلب برؤية العين ولكن قال أنه عزيز حكيم
ومقام العزة هنا معناه أنه يقول لنبيه
اعلم أننى عزيز متفرد عن فعل هذا والاستجابة لك وما فعلته لك إلا لأنى حكيم مع العزة , فأدرك أنك مؤمن حقا وتريد أن ترى عين اليقين بعد حق اليقين
والآن بعد هذه الجولة الفكرية فعلى أى جانب ترى نفسك يا صديقي
هل تحتاج أن أناقشك فى وجود الله وفى حقيقة الإسلام فأثبتها لك عقلا حتى تصدق بها نقلا ؟
أم ترى أنك مسلم مؤمن وعليه تسلم بأن أوامر الله ونواهيه وأمره بعدم السعى وراء المتشابه أمر ممنوع بقوله تعالى
{ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ }
والله عز وجل فى دين الإسلام أتى بمطالبة المسلم أن يستخدم عقله ويتفكر فى أكثر من سبعمائة آية , فهل بعد هذا الكم من المطالبة بالعقل نقول أن الإسلام يحتكره
إنما يقول ذلك من اتخذ الإسلام دينا بالوراثة ولم يتعمق فيه واكتفي بوصفه مسلم وحسب
وهذا ليس عيب الإسلام بل عيب معتنقيه هذه الأيام
القرآن الكريم ردد الدعوة إلى التفكر أكثر من سبعمائة مرة .,
لكنه حرم استخدام العقل فيما يبتغيه العلمانيون وهو أن يجعلوا همهم فقط التشكيك ومناقشة القضايا التى ليس منها نتيجة تحت ستار حرية الفكر واستخدام العقل
فما الذى سيصل إليه العقل عندما يجهد نفسه بالبحث عن الروح مثلا والله عز وجل قال بأنها غيب
وما الذى سيصل إليه العقل عندما يحاول تقنين القوانين الغيبية لعقله فيحاول وصف الحساب أو تكييف الأوصاف على خالق الكون ؟!
ما النتيجة المتوقعة غير الضلال المبين
فدعوتكم تلك إنما هى دعوة بالعقل لقتل العقل
وحرية الفكر تختلف عن فوضي التفكير
وإن المرء ليعجب حقا كيف يبلغ تفاهة التفكير درجة ترك قضايا فكرية أعظم وأكبر فائدة والاشتغال بمناقشة وجود الله مع المسلمين , !
مع أن وجود الله ووجوب اتباع شريعته هو أمر مسلم به قطعا عند المسلمين وعندهم الإثبات بالقرآن الذى يؤمنون به
واني لأستغرب من هؤلاء الذين يستنكرون على الله أن يجعلوا أنفسهم لعبادته
مصداقا لقوله تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
والعبادة ليست فقط فى رفع وخفض الرأس فى الصلاة بل العبادة فى القيام بالأركان والإلتزام بحقائق الإيمان والعمل على مرضاة الله بالأبدان
والعبد الصالح فى عبادة دائمة طيلة يومه حال قيامه وحال سكونه وحال عمله وحال قيامه بمسئولياته
ووجه الاستغراب هنا من أهل الفكر الحر كما يسمون أنفسهم ,
أنهم كبشر عندما يصنعون جهازا ما ليعاونهم على حياتهم يستنزفون طاقته لصالحهم , وتخيلوا معى لو أن جهاز كمبيوتر رفض الاستجابة لأوامر صانعه ,
وقال الكمبيوتر أنه يطالب بأن بحقه فى الاستقلال وألا يعطى سيده إلا وقتا محددا ؟!!
تخيلوا معى ماذا سيكون رد فعل الصانع
سيلقيه من النافذة حتما لأنه مصنوع لخدمته

فإن كان هذا حال البشر فكيف بخالق الخلق ؟!
ومع ذلك فإن الله تعالى لا يعجل لنا العذاب بما نستحق ولا يعادينا برزقنا مهما عصيناه فى عبادته !
والوجه الآخر ,
أنهم يزعمون الإيمان بالله ويعلنونه بأسنتهم ,
فإن قلنا لهم تؤمنون بالله الخالق القدير
قالوا نعم
وإذا قلنا لهم أنه خالق قدير وفى نفس الوقت شارع حكيم .. رفضوا ونادوا بتقنين بشري ؟!
فيا عجبا على الإيمان المائع

اقتباس:
النقطة المشتركة التي أجتمع عليها المتحاورين في هذا المتصفح هو سل سيف العقل في كل ما يخدم الدين … وأغماده في حال كان العقل في حالة تناقض أو تساؤل أو فضول مع مسلمات هذا الدين
.. مع العلم أن الأساس والضرورة في أستخدام العقل هو عند المرور بهذه الحالة من الشك …


ومن قال لك يا هذا أن الدين يحتاج خدامتك أو خدمات عقلك ,
وكأنى بك وأنت تقول استخدام العقل في كل ما يخدم الدين , تشبه الدين كأنه مجال نشاط انسانى كالمجال السياسي أو الاجتماعى !
أو لم يبلغك قوله تعالى
[يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] {الحجرات:17}
إن الله تعالى غنى عن العالمين , ودينه غنى عن المرتابين

اقتباس:
ولذلك نرى أن الأبداع يكون ضيق بنفس نسبة المساحة المتاحة له من العقل … وهذا الكلام إثباته واضح ودليله ملموس إلا لمن أراد البلادة كأسلوب للتفكير ..


البلادة الحقيقية فى التفكير عندما تشاهد منحرفا يستخدم موهبته الأدبية أو الفكرية فى ضرب الثوابت الأخلاقية وهو ينادى بالفكر
أو لا يعتبر الفكر حرا إلا إذا تعرضنا لذات الله بما يسميه العلمانيون أدب الحداثة , على غرار ما نراه من شرذمة المنحرفين فى الوسط الأدبي ؟!
أو لا يعتبر الأدب حرا إلا إذا حوى ألفاظ الجنس ؟!
أو لا يعتبر التعبير حرا إلا إذا وجهت قلمك فقط لإثارة الشبهات والسخرية من علماء الدين ؟!
فهذه الأقوال هى ما سمعناه عندما أتى منحرف مثل صاحب ديوان الآية جيم الذى حاول فيه محاكاة القرآن , وتستر بالحرية
ومثل صاحب وليمة لأعشاب البحر الذى وصف الله بما لا يجرؤ يهودى على وصفه به ودافعت عنه شلة الانحراف تحت ستار الابداع
ومثل سلمان رشدى ونسرين تسليمة والذين لا يساوون فى مقدار الفكر خردلة وصنعتم منهم أنتم نجوما طالما أنهم سلكوا نفس الدرب المميز الذى يناسب ملاهى شيكاغو لكنه أبدا لا يناسب مفهوم الثقافة
فهل هذه هى الحرية العقلية ؟
هل هذا هو إطلاق حرية الابداع ؟
هل هذا ما تنادون به ؟!
إن كان هذا فوالله إن حضارتكم تلك لهى طريق العالم الفعلى إلى الهاوية
كما نشعر جميعا الآن
ودوما أكررها أننا كنا عظماء وعمالقة عندما كنا نحكم امبراطورية الإسلام بدين الإسلام
وما أصبحنا فى ذيل الأمم إلا عندما مسخوا فكرنا بأفكار شواذ الغرب

وإنى والله رغم كل ما رأيت بتعليقك ,
إلا أننى أدعو الله لك مخلصا أن تتدبر كلماتى تلك , لعل وعسي تجد فيها ما يدفعك لتصحيح مسارك
حتى لو كانت لديك أفكار تناقشها فاطرحها على الرحب والسعة
شريطة أن تكون أفكارا للمناقشة لا على عادة موضوعاتك هدفها فقط أن تضرب حيث نؤمن ,
فالعاقبة برغبتك الشخصية هل تريد أن تقتنع أم أنك تنفذ هدفا معينا

والله المستعان

محاورات فى العلمانية ” 2 ”

التعليقات مغلقة

السؤال الثانى

وايضا كلامك هذا شجعني على التمادي ..
في فترة مرت من حياتي < طبعا حين كنت صغيره,
أخلط بين العلمانيه والعولمه !
وكلهن يخيفن تفكيري وبعد ما كبرت ظننت ان العلمانيه هي من نتائج العولمه ؟

لا توجد علاقة مباشرة بين العلمانية والعولمة لكن هناك علاقة غير مباشرة
لأن التطبيق والمعالجة فى كل منهما يختلف عن الآخر
فالعلمانية محلها الدولة فى داخلها ونظمها
أما العولمة فهى ثقافة إلغاء الحدود والفوارق بين شعوب العالم
ولو جاز لنا تشبيه العلمانية بالعولمة لقلنا أن العولمة هى العلمانية عندما يتم تطبيقها بشكل عام على سائر دول وثقافات العالم

كما أنها تتشابه مع العلمانية فى الشعارات البراقة والأهداف المبطنة
فبينما يقال أن العولمة هى إذابة فوارق الشعوب ـ دونما ملاحظة إلى كنه تلك الفوارق وضخامتها بل وضرورتها ـ فى محاولة لبث روح التعاون
وبينما تأتى العولمة من قلب الدول الكبري
نجد أنهم أول من خالفوا ظاهر شعاراتهم تلك
وسلطوا قدراتهم وعتادهم لقهر الشعوب المتوسطة والضعيفة ذات التاريخ العريق
على نحو ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية بشتى مناطق العالم
وقد بذلت الولايات المتحدة منذ مطلع قوتها العسكرية عقب الحرب العالمية الثانية جهودا مضنية فى محاولة بناء شخصية حضارية لها أمام شعوب العالم ففشلت فشلا ذريعا
لأنها لم تملك أى لونمن ألوان الحضارة ومقوماتها
فهى بلا تاريخ
وبلا ثقافة جمعت بين مواطنيها وأسست لهم الشخصية
وبلا لغة تجمع بين المواطنين وتخصهم
وبلا ديانة وبلا فكر
فكان الحل أن تضرب حيث تنبت أواصر هذه المقومات على نحو ما شرحه كاتبنا الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه الأخير ” الإمبراطورية الأمريكية والحرب على العراق “
حيث تناول بالشرح الوصف الحقيقي للولايات المتحدة من كونها شركة أكثر منها دولة
فطلعت علينا الولايات المتحدة بمفهوم العولمة الذى يهدف لسحب كل تميز أو شخصية حضارية أو تاريخ فكرى لأى شعب من شعوب العالم
ولذلك رفضتها سائر أمم الأرض
حتى أوربا وقفت دولها بالمرصاد عبر شعوبها لكل محاولة لإشاعة هذا المفهوم الذى يسلخ الشعوب من أهم ما تملك
وتصدت دول آسيا كذلك
أما العالم العربي فكما هى العادة خرج منه فئة أدعياء الثقافة للترويج لهذا المفهوم والنداء بالحضارة الأمريكية
واكتفوا من الحضارة الجديدة بمقومات تناسب الزمن الأمريكى
فاستبدلوا اللغة والدين والعراقة والفكر والحضارة
بالهامبرجر وسوبرمان وبتمان وسلاحف النينجا

السؤال الثالث

بودي هنا أستاذنا الكريم أن يتضح بذهن كل قاريء إجابة السؤال التالي :

على أي أساس فلسفي تستند العلمانية ؟

هل تستند على الفلسفة البراجماتية التي هي أساس الفكر الغربي ؟

بدون الغوص فى تعقيدات فلسفية أعتقد أنى سبق أن قلت أنها مصطلحات وأفكار وتعقيدات لا تنبنى على قيمة فكرية حقيقية بل هى شعارات معقدة .. وأول من يعانى تعقيدها أصحابها أنفسهم ولهذا اختلفوا فيما بينهم وكل منهم أخذ بجانب غير الآخر
البراجماتية كلفظ .. هى كلمة ذات أصل يونانى وتعنى العملية أو العمل
ومنها تم اشتقاق البرجماتية كفلسفة والتى يمكن تلخيص فكرتها ببساطة شديدة فنقول
” أنها فلسفة لا تعترف بالفكر إلا من خلال ما يؤدى إليه من نتائج نافعة وملموسة وواقعية “
أما ماذا تعنيه هذه العبارة كأثر عند التطبيق
فهى تعنى الفلسفة المادية الكاملة القائمة على أساس النفع المباشر
فكل حقيقة أو دعوة ـ وفقا للبرجماتية ـ ليس لها نفع مباشر قائم ومادى لا يتم الإعتراف بها والعكس صحيح
وهذا يعنى ببساطة أن كل الحقائق الدينية والآخرة والحساب والبعث والقيم الأخلاقية القائمة على الضمير والغيبيات والمعتقدات .. كلها ـ فى فكر البرجماتية ـ أشياء سالبة للحضارة ومضيعة للوقت
وأول الفلاسفة المنادين بها هو تشارلز بيريز الذى شرحها فى إحدى مقالاته ودعا إليها وانتشرت
وهى بالطبع فلسفة قائمة على حصر النفعيات المباشرة الدنيوية ولا أساس لها بالإسلام ولا تتفق أصلا مع أى دين كان
لأن الديانات والرسالات السماوية جميعا وآخرها الإسلام والذى يعد هو التشريع الناسخ لما قبله قائم على اعتبار النفع الأكبر فى الآخرة لا الدنيا وقائم على أن المسلم يعطى الخير وليس شرطا أن ينتظر منه فائدة مباشرة

أى أنه يمكننا القول أن العلمانية والبرجماتية من مشكاة واحدة
ليس هناك إختلاف بينهما لأن البرجماتية هى الأصل الذى تتفرع منه تلك النداءات القائمة أساسا على فكرتين لا ثالث لهما
الأولى : الإلحاد الكامل وعدم القول بوجود إله , كما هو الحال فى الشيوعية
الثانية : الإلحاد المستتر وهو إنكار سلطة الدين على الحياة وحصره فى نطاق الرغبة الشخصية , كما هو الحال فى العلمانية
تم تسويق العلمانية والشيوعية بمفرداتها المختلفة ” إشتراكية ـ ماركسية ـ يسارية ” فى بلاد الشرق تحت نداءات مستترة ولم يستطع العلمانيون والشيوعيون الإعلان صراحة عن عمق وأساس تلك الأفكار القائمة على تغييب الدين نهائيا على أى سلطة إجتماعية أو سياسية
فلجئوا إلى تعريب تلك الأفكار وعدم المصادمة مباشرة مع الدين لكى لا تستهجنهم الجماهير ويتعرضون للمنع والمقاومة
ونجحوا نسبيا فى إخفاء تلك المعتقدات تحت ستار النداءات التى تخفي ما تحتها من أمثلة
* نداء تحرير المرأة وحريتها فى ممارسة حياتها
” وفشلوا فيه نظرا لأن تطبيقات تلك النداءات أظهرت مدى التعارض بين ما يدعون إليه من حرية فظهر على حقيقته أنه نوع من الفوضي “
* نداء الحرية الكاملة فى تشريع القوانين بعيدا عن الإلتزام بالمبادئ التشريعية فى الإسلام
” وأعلنوا أن مرجعية تشريع الأحكام هى سلطة المجتمع السياسية , وهو خلط فاضح بالطبع لأن السلطة السياسية للمجتمع تقف عند الحدود العامة ـ لا التفاصيل ـ التى شرعها الإسلام فلا يمكن القول برياسة إمرأة للدولة أو بمخالفة قوانين المواريث فى الإسلام
وفشلوا فى ذلك أيضا لأن المجتمعات أعلنت خيارها مع الدين لا مع الكفر به “
* نداء ودعوة هجر التشريعات الفقهية وإظهارها على أنها من مواريث التخلف
” واستجاب لهم البعض دون أن يدركوا أن مواريث التخلف ـ كما يصفونها ـ إنما هى مواريث التشريع التى جاء بها الدين ” قرآنا وسنة ” وليست من ابتكار الفقهاء حتى يمكن معاملتها كالأفكار الإنسانية الخاضعة لأوصاف القدم والحداثة , وفشلوا فى ذلك أيضا بعد أن أوضح المفكرون المسلمون هدفهم الأصلي من ذلك بعد أن حصروهم فى إجابة أسئلة تهربوا منها سابقا وهى نظرة العلمانية ومنهجها إزاء القوانين الجنائية والمدنية وهى النظرة التى أتت بانكار العلمانية الكامل لتلك المبادئ الثابتة “

محاورات فى العلمانية “1″

التعليقات مغلقة

السؤال الأول

هل يمكن اعتبار العلمانية دين ؟ له كل مقومات الديانة الأرضية ؟
أم لايتوفر في هذا الفكر المنحرف من المقومات مايجعلنا نطلق عليه لفظة : ( ديانة أرضية )

ولكن يجب ألا نطلق على المذاهب الإنسانية التى قدمت نفسها على أنها ديانات هذا اللفظ عندما يأتى وقت معالجتها
فإن كان الإسلام منذ أتى نسخ ما قبله من ديانات فأصبت مللا
فكيف بالمذاهب الأرضية التى اتخذت آلهة من البشر كالبوذية والكونفشيوسية والزرادشتية
وغيرها
ونعود لسؤالك

اقتباس

هل يمكننا أن نستنتج أن العلمانيين قد اعتبروا العلمانية ديانة أرضية يؤمنون بها نشأت على أساس

الفلسفة البراجماتية ؟ أم أنها مجرد فكر مناهض لتعاليم الدين ومتمرد على كل ثوابته أتى كردة فعل

لهيمنة الكنيسة فحسب ؟

كلا يا صديقي
لم يتخذ العلمانيون مذهبهم هذا باعتباره دينا أو محلا للدين
وليتهم فعلوا ..
لأنهم بهذا لكفونا عناء الرد عليهم عندما نضمهم بيسر وسهولة إلى زمرة فاقدى الإدراك
انما قام العلمانيون بتقديم العلمانية كمذهب إنسانى قائم على الفوضي لا الحرية
لا يقر بأى دين ولا يعترف به كحاكم على سلطة المجتمع
إنما يقر بأن كل شخص له الحق فى الإعتقاد بما شاء من معتقدات بشرط ألا يطالب المجتمع بأن يلتزموا بها أو أن يقوم بالدعوة إليها
ومبررهم فى ذلك كما سبق الشرح ما فعلته الكنيسة بالعصور الوسطى بأوربا وكان من نتيجته هذا الكفر الطبيعى بكل دين وكل معتقد يقوم عليه
وهذا وإن كان تطورا طبيعيا فى الغرب الذى خرج من خطأ الضلال ـ بالإعتقاد الفاسد ـ إلى خطيئة التضليل بهدم كل معتقد التحلل من كل دين .
إلا أنه يبدو غريبا جدا بالنسبة للعلمانيين العرب ودعاتهم
فهؤلاء مجرد كائنات ضالة جلبت أفكارا لا علاقة لها بنا كعرب ومسلمين وقامت بالقائها فى وجوهنا داعية إلى الخروج من شرنقة التخلف والسلفية والتدين والحجر على الأفكار والآراء
وهذا بالنسبة لقصار النظر أصبح دعوة مسموعة
حتى جاء السؤال الطبيعى
إن كان التدين والكنيسة وصكوك الغفران فى أوربا هى التى أدت بها لفترة عصور الظلام
مما منح العلمانية الغربية هناك دافع الظهور والإنتشار
فكيف يمكن أن تنجح تلك النداءات فى أوطاننا نحن حيث كانت الإلتزامات الدينية بمنهج الله تعالى هى الطريق الذى جمع شتات العرب فأسس إمبراطورية عريضة شاسعة قضت على الدولتين العظميين فى أوانها ..
وتشكلت فى أقل من عشرين عاما
واستمرت أربعين عاما فى فترة الخلافة الراشدة
ثم نيفا ومائة عام فى فترة الخلافة الأموية التى بلغت فيها مساحة سلطان الحضارة العربية مسافة لم تتحقق فى التاريخ الإنسانى كله لأحد قبل حضارة الإسلام
فكان الوليد بن عبد الملك بن مروان يحكم من حدود الصين شرقا .. ثم الصين نفسها على يد قتيبة بن مسلم
وحتى الأندلس غربا وما يتاخم الحدود الفرنسية
وأصبح البحر المتوسط فى عهد الحضارة الإسلامية يسمى ببحر العرب بعدأن كان اسمه بحر الروم
ثم جاءت الخلافة العباسية لتحافظ على سلطان المسلمين فى عصرين على امتداد ثمنمائة عام
هذا فى التفوق السياسي
أما عن التفوق الحضارى فحدث ولا حرج
ميراث فكرى وعلمى فى سائر المجالات يعد هو الأضخم إنسانيا على وجه الإطلاق
ففي مجال الفكر وحده بلغ هذا الميراث التنويري مبلغا أصبحت معه مكتبة بغداد دار الحكمة تحتوى من الكتب ما مكن المغول نمن عبور نهر دجلة عليها
ويقول المحققون وخبراء الآثار أن ما وصلنا حتى اليوم لا يمثل إلا أقل من عشرة بالمائة من كنوز مكتبة بغداد التى ضاعت
مكتبة بغداد وحدها !
هذا بالإضافة إلى ثمنمائة عام من الحضارة الأندلسية التى أسسها عبد الرحمن الداخل ولا زالت آثارها ساطعة حتى الآن فى أسبانيا والبرتغال
وخرجت منها مشاعل تنوير اهتم بها الأوربيون أكثر مما اهتم بها المسلمون ولا زالت هناك عشرات الآلاف من المخطوطات العربية تقبع فى المكتبات الأسبانية ومكتبة الفاتيكان وفى المحفوظات البريطانية بعضها خضع للتحقيق والنقل والترجمة وبعضها لا زال سرا مغلقا إلى اليوم
أى أن الإسلام وعقيدته وشريعته وفكره ..
عندما التزم به المسلمون كانوا سادة فى الدنيا .. وسادة فى الآخرة
بينما العقائد الفاسدة فى الغرب كانت محل انهيارهم وعصور ظلامهم
فبأى عقل ومنطق نستقبل دعاوى العلمانيين العرب الداعين إلى ترك هذا المنهج .. والذى منذ تركناه ونحن أهون الدنيا على الدنيا
وخرجنا معهم من هوان إلى هوان
بينما التاريخ مبسوطا أمامنا بما فعلته حقائق الإيمان بنا
فهل يا ترى يمكننا الإقتناع بمن ينادى بترك ما عندنا ـ أكثر مما نحن تاركوه بالفعل ـ لكى نمضي إلى ركب الحضارة !ّ
ولاحظ أننى اكتفيت بالحديث عن دولة الإسلام فى أوج قوتها واتحادها فحسب
بينما هى بعد صدمة المغول لم تنهر
بل صمدت فى دولة أخرى كانت تضم الحجاز ومصر والشام وأعالى العراق تحت سلطان العباسيين فى مصر
وبدأت هذه الدولة منذ أن نجح الظاهر بيبرس فى إسناد الخلافة الشرعية لواحد من أبناء العباسيين وحكم باسمه
وكانت تلك الدولة العريقة كالأسد الرابض على نفس العقيدة
وصاحبها بعصرها أيضا دولة الأدارسة فى المغرب
بل إن المغول أنفسهم كونوا فى العراق وايران دولة إسلامية بعد انضمامهم للإسلام
وكانت الدولة العباسية فى مصر فى عهد سلاطين المماليك جبهة رهيبة أمام أطماع الصليبيين على مدى قرون .. فشل فيها الغرب فشلا ذريع
ولم ينجح الغرب بالسلاح معنا قط
نجح فقط عندما تمكن عبر المبشرين الجدد وأصحاب العقول الراحلة عن الزمان والمكان فى تخريب العقل العربي وفصل الروابط بينه وبين عقيدته
حتى انتهى بنا الحال إلى قوانين العلمانية التى تراها اليوم تحكم أقطارنا
ورأيت شعارات العلمانية المتخفية خلف العبارات البراقة تفعل بالمجتمع العربي ما لم تفعله الحروب من تخريب
فأصبحت الثقافة هى نيتشه وفرويد ومونتسكيو
وأصبح التقدم هو الأوبرا والحداثة والمذهب اللامعقول
وأصبح الفن هو السريالية والتشكيلية
وأصبح الفكر هو فكر مؤتمرات السكان التى انعقد إحداها بمصر وكانت شعاراته
أسرة ذات قطب واحد يعنى واحدة وعيالها .. بس كده لا زوج ولا غيره
الصحة الجنسية تفريغ كل الرغبات حتى لا يصاب المجتمع بالكبت ولك أن تتخيل ما الذى يعنيه هذا
تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل وهو الذى أتت نتائجه فى اعتلاء المرأة لكل وظيفة وأى وظيفة حتى فى الجيوش والحروب ورياسة الدول بينما الشباب ذوى السواعد المفتولة على قارعة الطريق
.. ناهيك عن الدعاوى المبطنة فى تحريرها من أى التزام أخلاقي لأن الحرية مكفولة طبعا
وفى نفس الوقت تمثل معدلات الجريمة حدودا مرعبة فى الغرب نفسه فيما يخص جرائم المرأة الوحشية بل فى الولايات المتحدة لا زال الرقيق من النساء لهن أسواق رائجة تبلغ خمسة ملايين إمرأة كل عام .. ولست أدرى أن حياء المنادين منهم بالحرية

يتبع ,,,

مناقشة حول المسيخ الدجال وإثبات وجوده

التعليقات مغلقة

وجهة نظر حول إنكار الدجال

يتحدث محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج 9 في تفسير سورة الأعراف تحت عنواننظرة في اشراط الساعة وتقاسيمها ومشكلاتها وعنوان فرعيالاشكال والاشتباه في روايات الدجال ويرى أن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه:
1-منافاتها لحكمة إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة.
2- ما ذُكر فيها من الخوارق التي تضاهي اكبرَ الايات التي ايد الله بها اولي العزم من الرسل او تفوقها وتعد شبهة عليها. ومن المعلوم ان الله ما آتاهم هذه الايات الا لهداية خلقه فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الاعظم من عباده؟
3- سنن الله ثابتة ولا تبديل لها وهذا ثبت بالقرآن وآياته قطعية وأما روايات الدجال فمضطربة ومتعارضة ولا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها.
4-من التعارض انه يُصرح في بعض الروايات بأنه يكون معه جبل او جبال من خبز ونهر او انهار من ماء وعسل كما عند احمد والبيهقي وفي رواية أخرى في البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال ما سألته وانه قال لي ما يضرك منه؟ قلت انهم يقولون ان معه جبل خبز ونهر ماء قال بل هو أهون على الله من ذلك ولاحظ يقولون ولم يقل انك قلت هذا
5-هناك تعارض في المكان الذي يخرج منه( أصبهان- خلة بين العراق والشام-من قبل المشرق-محبوس بدير او قصر في جزيرة في بحر الشام او بحر اليمن وانه يخرج منه-خراسان.
6- من التعارض ان بعض الروايات يصرح بأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى من المحتمل ظهوره في زمنه وبعضها بأنه يخرج بعد فتح القسطنطينية ومنه انه كان يشك في ابن صياد من يهود المدينة هل هو الدجال ام لا؟

رد الكاتب :

هناك عدد من القضايا الفكرية التى تتعلق بالدين الإسلامى تعد بابا للفتن أكثر منها بابا للإجتهاد والبحث والتفكر
لا سيما إن كانت تلك القضايا تتعلق بانكار أشياء وردت بالحديث الشريف من بعض المفكرين أو الفقهاء وقام العلماء بالتعقيب عليها والرد والإنتهاء منها
ويعيب أمثلة تلك القضايا أن أصحابها ـ رغم أنهم علماء كبار فى بعض الأحيان ـ إلا أنهم يلتفتوا إلى قواعد علم الحديث ومدى خطورة وحجية الحديث الثابت النسبة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام
ولم يلتفتوا كذلك إلى أن علم الحديث علم متناهى فى الإتساع لم يدع العلماء المحدثون فرعا منه إلا وأبحروا فيه ووضعوا له القواعد والأسس
ومن ضمن تلك الفروع فرعى مشكل الحديث وغريب الحديث .. هذان الفرعان بالذات تم تخصيصهما للرد على شبهات المتشككين فى القواعد التى ترسيها تلك الأحاديث وبيان ما رأوه تناقضا بين الأحاديث وبعضها البعض وبين الأحاديث وآيات القرآن الكريم
ووضعوا مائة وواحد وجه من وجوه التنسيق بين الإختلافات والتعارضات الظاهرية فى الأحاديث الثابتة وألفوا بينها جميعا ومن أبرز من كتبوا من المحدثين فى هذا المجال .. الإمام بن حجر العسقلانى وبن كثير وبن قتيبة الدينورى

نفهم من ذلك أن إسقاط الأحاديث الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام لمجرد أنها جاءت بتعارض أو استعصت على فهم بعض العلماء أو المشككين من مختلف التوجهات هو أمر فيه من عدم العلم الكثير
لأن جهود المحدثين عبر العصور حفظت سائر السنة وردت جميع شبهاتها ولهذه الأمور قواعد علمية فى علم الحديث يجدر بنا ألا نغفلها لمجرد عجز عقولنا عن الفهم والإدراك فنرد العلم إلى أهله ومتخصصيه
كان لابد من هذه المقدمة للتعرض لقضيتك اليوم والتى تتحدث عن وجهة نظر الشيخ رشيد رضا رحمه الله فى إنكار أحاديث أشراط الساعة وأحاديث الدجال خاصة ..

يقول فيها

اقتباس ويرى أن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه:
1-منافاتها لحكمة إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة.

علم الساعة علم من الغيوب المطلقة التى لن يفصح عنها لمخلوق وظلت وتظل فى علم الله تعالى مثلها مثل الغيث والأرحام والروح والموت والرزق
وليس معنى وجود آيات لقربها أنه تحديد لموعدها ..
فالمقصود بإتيانها بغتة هو ساعة الوقوع الفعلية وتلك فى علم الله تعالى أما الآيات الكبري والصغري فهى إنذار لها ولا تعنى من قريب أو بعيد تحديد قاطع لوقوعها
وهذا ما نراه اليوم من وقوع الآيات الصغري جميعها تقريبا مثل تضييع الأمانة وانتشار الزنا وانتشار الفتن .. حتى فيما يخص الآيات الكبري ستأتى تلك الآيات وفق للأحاديث الواردة فيها لا علاقة بزمن تحديد وقوع الساعة ولا أحد يعلم كم من الفترة تستغرق الساعة حتى تقع بعد آياتها الكبري ولم تحدد الأحاديث شيئا من ذلك
هذا فضلا على أن الأحاديث الواردة فى شأن آيات الساعة هى أحاديث بالعشرات منها الثابت المتواتر والثابت الآحاد ومنها الحسن ومنها الضعيف
والثابت فى شأنها مما رواه البخارى ومسلم يحتل بابا كاملا فى صحيحيهما ويبلغ نحو أربع وعشرين حديثا متصلة الرواية والسند ومنها ما هو متواتر على روايته أى من رواية أكثر من صحابي ..
وهذا يعنى أنه لا مجال لنقضها أو للقول بتضعيفها ولست بحاجة إلى توضيح مكانة صحيحى البخارى ومسلم وقد أجمعت الأمة عليهما باعتبارهما أكبر كتابين صحة بعد القرآن الكريم .. ولو جاز العبث بمحتواهما الثابت من الأحاديث لهدمت السنة ومن ثم الدين كله
ولو جاز العبث فيهما أو القول فيهما بالضعف لكان هذا طريقا للمتشككين لإبداء الرأى والفكر فى آيات القرآن الكريم نفسها لأنها أيضا احتوت على آيات تحمل تعارضا ظاهريا
فهناك حدود وقواعد علمية يجب أن يفطن إليها الباحثون قبل المسارعة بإنكار الحقائق الثابتة تحت زعم المنطق

ونتعرض الآن للنقاط التى أثارها الشيخ رشيد رضا فى تفسير المنار لتوضيحها

اقتباس ما ذُكر فيها من الخوارق التي تضاهي اكبرَ الايات التي ايد الله بها اولي العزم من الرسل او تفوقها وتعد شبهة عليها. ومن المعلوم ان الله ما آتاهم هذه الايات الا لهداية خلقه فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الاعظم من عباده؟

وكيف تكون الفتنة .. فتنة .. لو لم يتوافر لها من سبل الإعجاز أشياء تغري متبعيها ..
فالله عز وجل لم يجعل الآيات المعجزة والخوارق فى شأن الرسل وحسب
فالشياطين لديها من القدرات ما يفوق طاقة البشر ..
وأيضا تمكن السامرى من فتنة بنى إسرائيل عن ربهم وموسي نبيهم عليه السلام قائم بينهم وذلك عندما فتنهم السامرى بخوار العجل فى معجزة واضحة لكون العجل من الذهب
وأيضا هاروت وماروت اللذان فتنا الناس بالسحر فعلموهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه .. وهذه الفتن العظيمة رغم عظم أثرها ومعجزاتها إلا أنها تظل قاصرة عن فتنة الدجال التى وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بأنها أعظم الفتن منذ نزول آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة
فلابد أنها ـ وهى الفتنة الأعظم ـ تحمل من الغرابة ما يغري متبعيه ويفتنهم
كما أن القول بأن فتنة الدجال تحوى من الظواهر ما لم يسبق لنبي أو مرسل فهذا زعم غير صحيح
فلقد أوتى موسي المن والسلوى وأطيب الطعام وفلق له البحر وأحيا الله القتيل له فى بنى إسرائيل وأجرى له إثنتا عشر عينا لنقباء بنى إسرائيل
كما أن عيسي عليه السلام كان يحيي الموتى ويشفي الأكمه والأبرص ..
فكيف تكون آيات الدجال غير مسبوقة وقد تحدثت الآيات فى الحديث الذى رواه مسلم والبخارى أن معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض والآخر نار تتأجج

اقتباس سنن الله ثابتة ولا تبديل لها وهذا ثبت بالقرآن وآياته قطعية وأما روايات الدجال فمضطربة ومتعارضة ولا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها

ومن قال إن روايات الدجال مضطربة ..
سنتحدث هنا عن أحاديث الدجال الثابتة فى الصحيحين أو المروية بشروطهما وهى جملة أحاديث تناولت صفته ـ لعنه الله ـ وما معه وكيفية خروجه وكيفية مقتله على يد المسيح بن مريم عليه السلام .. وقد رويت هذه الأحاديث متوافقة فيما بينها عن جملة من الصحابة وهم
أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وأبي سعيد الخدرى وأنس بن مالك بأربعة طرق وبعدة أسانيد ثابتة وعن سفينة وعن معاذ بن جبل وعن سمرة بن جنادة بطريقين وعن جابر بأربعة طرق وعن بن عباس وعن بن عامر وعن سالم بطريقين وعن تميم الدارى وعن فاطمة بنت قيس والمغيرة بن شعبة وحذيفة بن اليمان .. رضي الله عنهم أجمعين

أى أن أحاديث الدجال ثابتة بالتواتر فكيف يمكن إنكارها
أما الأحاديث والمرويات الضعيفة فتلك طوينا عنها كشحا ولم نحتج بها وقد بين الأحاديث الثابتة من الضعيفة وناقشها بالتفصيل الإمام بن كثير فى كتابه الرائع { النهاية فى الفتن والملاحم } فى فصول متعددة تبدأ من صفحة 68 من الكتاب ـ طبعة المكتب الثقافي للنشر والتوزيع بالقاهرة

اقتباس من التعارض انه يُصرح في بعض الروايات بأنه يكون معه جبل او جبال من خبز ونهر او انهار من ماء وعسل كما عند احمد والبيهقي وفي رواية أخرى في البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال ما سألته وانه قال لي ما يضرك منه؟ قلت انهم يقولون ان معه جبل خبز ونهر ماء قال بل هو أهون على الله من ذلك ولاحظ يقولون ولم يقل انك قلت هذا

وأين التعارض هنا ؟!
فعلا هو أهون على الله من ذلك ولم يرد حديث صحيح ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول أن الدجال معه جبال من خبز وأنهار من ماء بل الحديث الوارد فى هذا الشأن والذى رواه الشيخان يقول
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام
{ لأنا أعلم بما مع الدجال منه .. معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض والآخر رأى العين نار تأجج فإما أدركن أحد فليأت النهر الذى يراه نارا وليغمض وليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب }
هذا هو نص الحديث ولا يتعارض مع إنكار رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الدجال معه جبال الخبز والعسل وأنهار الماء بل هو كما هو ثابت من الحديث السبق أن معه نهران يجريان أحدهما ماء والآخر نار ومظهرهما خلاف حقيقتهما

كما أن الشيخ رشيد رضا وقع هنا فى تناقض فهو يحتج بحديث المغيرة بن شعبة على أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أن الدجال أهون من ذلك وهذا معناه أن يثبت صحة هذا الحديث وبالتالى فمعناه أن الدجال موجود وفتنته ثابتة فكيف ينكرها ؟!

اقتباس هناك تعارض في المكان الذي يخرج منه( أصبهان- خلة بين العراق والشام-من قبل المشرق-محبوس بدير او قصر في جزيرة في بحر الشام او بحر اليمن وانه يخرج منه-خراسان.

سبق القول أن هناك روايات مرفوضة وضعيفة وردت فى شأن فتنة الدجال ولا ينبغي التعويل عليها لنقض صحة الأحاديث المتواترة وتلك الأحاديث المتواترة لم يكن بينها تعارض
فالأحاديث التى تحدثت عن مكان خروجه حديثان
الأول :
رواه مسلم ولفظه يوضح ظهور الدجال عقب فتح القسطنطينية إلا أنه لم يضرب له مكانا محددا وقد أورده فى باب فتح القسطنطينية وخروج الدجال { الحديث رقم 1478 }
الثانى :
وقد أورده بن كثير فى الفتن والملاحم وهو الحديث الشهير الذى روى فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام عن تميم الدارى وهو الصحابي الوحيد الذى حدث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يخص حديث وجود الدجال فى جزيرة بحرية ورؤيته له هو والجساسة

اقتباس من التعارض ان بعض الروايات يصرح بأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى من المحتمل ظهوره في زمنه وبعضها بأنه يخرج بعد فتح القسطنطينية ومنه انه كان يشك في ابن صياد من يهود المدينة هل هو الدجال ام لا؟

مشكلة المشاكل هنا أن صاحب الموضوع لم يورد الأحاديث التى يطعن عليها واكتفي برواية معناها لأن روايتها تغنينا عن البيان عندما نتبين الصحيح منها والسقيم
فليست هناك رواية واحدة عن الرسول عليه الصلاة والسلام تقول ـ كما قال المؤلف ـ أن النبي عليه الصلاة والسلام توقع ظهور الدجال فى زمنه فالأحاديث كلها تتحدث عن الفتن فى مجملها دونما تحديد موعد .. فقط تشير إلى قرب الساعة كأمر نسبي فى قوله عليه الصلاة والسلام { بعثت أنا والساعة كهاتين } وأشار بإصبعيه
أما الرواية التى فهم منها المؤلف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتوقع ظهور الدجال بزمنه فهى رواية الحديث الصحيح الذى رواه مسلم وهو قول رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما معناه
{ ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال …. الحديث }
أى أنه تحذير عام مجرد لا يقتضي أى معنى أو مفهوم لتوقع ظهور الدجال بزمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وجاءت الأحاديث المتتابعة فى شأن علامات الساعة تؤكد أن خروج الدجال سيتبعه نزول المسيح عليه السلام
أما قصة بن صياد
فقد أوردها المؤلف دونما أن يذكر أنها قصة سقيمة تناولها الصحابة فى زمنها على أيام الصحابة وانتهى أمرها إلى اكتشاف أن خطأ تخمين بعضهم أن بن صياد ـ وهو من يهود المدينة ـ هو المسيخ الدجال وقد تناولها بن كثير بالتفصيل فى كتابه المشار إليه سابقا ..
ولست أدرى أى علاقة يراها المؤلف بين قصة بن صياد وبين التشكيك والقول بضعف الأحاديث الواردة بشأن الدجال
لا سيما أن تسليمه بصحة قصة بن صياد واحتجاجه بها تعنى أن الصحابة كانوا ينتظرون الدجال وخمن بعضهم أنه هو بن صياد مما يعنى بالفعل وجود الدجال كحقيقة ينتظر الصحابة وقوعها

وفى نهاية الأمر
أعود فأكرر أن الالتفات للقضايا الغريبة وغير المطروقة لطرحها بالمنتديات تعتبر أمرا غير محمود حتى لو كان القائلون بها علماء كبار لا سيما إن كانت قضايا عقيمة لا تنتج أثرا وتثير شبهات لا داعى لها فى ظل وجود الكثير من المطاعن التى نراها بكل المحافل على الشريعة وعلومها

مناقشة حول المساواة بين الرجل والمرأة فى الإسلام

التعليقات مغلقة

جاء النقاش حول وجهة نظر أحد الكتاب حول موضوع المساواة بين الرجل والمرأة , تلك القضية الفارغة التى صدعوا بها رؤوسنا وجنى الغرب منها ما جعله اليوم يعيد التفكير فى منهجه القائم على التساوى بين الرجل والمرأة فى كل شأن عاما كان أم خاصا ..
ولكن كاتب الموضوع تجاوز فى دفاعه إلى حد إنكار المساواة فى الإسلام جملة وتفصيلا ..
ومن هنا كان هذا التعقيب
وبالنسبة للموضوع ففكرته وما قمت بطرحه أتفق معك فى جوهره بلا خلاف
لكن الإختلاف شكلي فقط فالعنوان ـ واسمح لى ـ كارثة فى حد ذاته وهو نفس ما يردده أصحاب الأهواء من أن الإسلام دين لا يعرف أو يعترف بالمساواة حيث تقول بالعنوان { ليس الذكر كالأنثي .. لا مساواة فى الإسلام }
والقراءة فى هذا الزمن والصبر عليها أشبه بالغاية التى لا تدرك
فالعنوان لو اكتفي به واحد من المارين عليه لأصبحت نافذة يرددها ضدنا كل من له غرض
الإسلام دين المساواة .. نعم
لكن الإختلاف فى كنه هذه المساواة .. وعليه فالتعميم له خطورته كما أن افتتاحك العنوان بالآية الكريمة “ وليس الذكر كالأنثي “
أراه فى غير موضعه لأن سياق الآية كان فيه المقصود محددا بتلك الحقيقة .. حقيقة أن الذكر ليس كالأنثي والتى وردت فى سياق قصة مريم عليه السلام
[فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] {آل عمران:36}
وكان الهدف من قول أم مريم عليهما السلام إيضاح أن الشريعة اليهودية لم تكن تقبل نذر البنات للمعابد فهذا حكر على الرجال وحدهم ولهذا قالت ” وليس الذكر كالأنثي “
وعليه فالمساواة موجودة ومبدأ أساسي من مبادئ التشريع ويتضح هذا من قوله تعالى
[مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]
{النحل:97}
وقوله تعالى
[وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] {النساء:124}
فالمساواة واضحة .. ولكن أين هى المشكلة ؟!
المشكلة ليست فى المساواة بل فى استخدامها الخاطئ من الغرب العلمانى وهو الاستخدام الذى دعانا لإنكارها مجملها وهو تصرف غير صحيح
فالأسلم أن نبين لب القضية بكاملها ونضع اللفظ فى موضعه
فالمساواة لا تعنى بأى حال من الأحوال شأنا خاصا بل هى شأن عام بين سائر البشر من ذكر وأنثي فى ضرورة التكليف وأداء الحقوق والواجبات
فلا خلاف هنا على وجود المساواة
أما ما يدعونه من مساواة فى طبيعة الحقوق والواجبات فليس هذا مجاله ولا محله
فكل إمرؤ ميسر لما خلق له وجاءت الشريعة بكلا النقطتين
الأولى : فى الآيات السابقة فقررت المساواة وأوضحت معناها العام
الثانية : عندما دخل التشريع إلى مجال توزيع وشرح طبيعة الحقوق والواجبات لم تدخل المساواة هنا للمعانى الخاصة بل ظلت كما هى فى إطارها العام وجاءت العدالة لتقرر بقوله تعالى
[الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ]
ولو أن المساواة غير موجودة فى الأصل لكان هذا ببساطة هدما مباشرا لأبسط وأول مبادئ التشريع الذى لم يفرق مطلقا بين ذكر وأنثي فى أصل الإيمان والالتزام بأحكامه
بل جاءت التفرقة فى التفاصيل
فالمساواة موجودة نعم .. لكنها تبقي أبدا فى حدود الأصل العام الذى تتفرع منه فروع أخرى لا يتم فيها التساوى
وليس هذا فقط فى مجال التفرقة بين الرجل والمرأة بل إن التشريع الإسلامى حافل بالتفرقة بين تفاصيل حالات بين الرجال والنساء كلٌ فى مجال جنسه
فالجهاد واجب على الرجال إلا من كان له العذر الشرعي ..
فالمساواة تحققت هنا فى وجوب التكليف .. لكن العدالة تدخلت فأبطلت التنفيذ عند التفصيل عن البعض وأوجبته على البعض الآخر
فهكذا يجب أن تكون المعالجة لا بإنكار كل لفظ لمجرد استخدام أحمق من الغرب .. فضلا على ما يسببه الإنكار من ضرب لمعنى وجوهر الإسلام فى عقول المغيبين عندما يأتى الآتى فيقول ..
ها هم رجال الإسلام يقرون بأنه لا مساواة فى الإسلام !
يقول كاتب المقال

اقتباس

المساواة) كلمة تَتردد على الألسنة – مع الأسف – من غير رجوع إلى شرعية إطلاقها ، ولو رجعنا إلى نصوص القرآن لوجدنا نفي المساواة ، قال تعالى : ” لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ” ، وقال تعالى : ” لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ” ، وقال تعالى : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ” … والآيات كثيرة في تقرير عدم المساواة ،.

هذا الكلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب مع الأسف الشديد , ولولا أن حسن نية كاتب المقال وقفت خلف غرضه لقلت أنه تعمد الهدم كغيره
كيف يأتى الكاتب باستدلالات فى غير موضعها ليثبت أمرا يقدح أول ما يقدح فى الإسلام ذاته
وكيف يمكن التسليم بأن تفرقة القرآن الكريم بين من أنفق قبل الفتح وقاتل ومن لم يفعل بأنها دليل على عدم المساواة بنص القرآن !
أو أن تفرقة القرآن بين الظلمات والنور دليل على ذلك ؟!
وهل الحديث فى الآيات التى استدل بها كان على الرجال وحدهم دون النساء ؟!
وماذا سيفعل إزاء عشرات الآيات التى تقرر الأصل العام للمساواة بالنص الصريح هذا بخلاف الأحاديث النبوية
يقول تعالى
[وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] {النساء:124}
ويقول تعالى
[وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:82}

فالخطاب عام لا لبس فيه ولا أدنى تفرقة بين رجل وإمرأة فى جماعة المؤمنين فى الحقوق والواجبات كما سبق البيان
وكان يجدر بالكاتب أن يكتفي بالوقوف على قول الإمام بن عثيمين والذى حصر حديثه فى شأن التفاصيل بين واجبات الرجل والمرأة وأوضح حقوق كل منهما بكلمة العدالة
ونكرر القول أن هذا لا يعنى عدم وجود المساواة كأصل عام بل يعنى أن الذى استخدمها من أهل العلمانية عممها على الأصل والتفصيل بينما هى للأصل وحده
وعليه فأرجو أن تعيد النظر فى المدخل للموضوع والعنوان وحدهما أما التفاصيل فقد أجدت فيها وأفضت بالدليل النقلي والعقلي وكان أبرزها قولك

اقتباس

بعد هذا المدخل للموضوع ؛ فإن دعوة مساواة الرجل بالمرأة في جميع جوانب الحياة دعوة غربية وكانت غريبة على المجتمعات الإسلامية في فترة من فترات تاريخها ، ويريد دعاة التغريب وتحرير المرأة من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا أن ينقلوا تلك النار إلى داخل المجتمع المسلم ، فيريدونها على سبيل المثال لا الحصر أن تتولى المناصب العامة ، ويريدونها أن تَنتخب وتُنتخب ، وباسم المساواة الرجل ليس له سلطة على زوجته ، فتخرج المرأة للبحث عن لقمة العيش فتختلط بالرجال في العمل أو المدرسة أو القاعدة العسكرية ، وتشترك المرأة في الألعاب والدورات الرياضية ، وباسم المساواة تعمل المرأة الأعمال الخاصة بالرجل … وسلسلة لا تنتهي من الأعمال .
وقد اكتوت المجتمعات الغربية بنار دعوى المساواة بين الرجل والمرأة بعد تجربتها ، فبدأ العقلاء منهم بالمناداة والحدِّ من المساواة ، والمطالبة بأن تستقر المرأة في بيتها وتربي أبناءها ، فهذه جويس دافيسون زعيمة حركة كل نساء العالم تقول : ” هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل ، إن الرجل هو السيد المطاع ، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية ، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة ” .ا.هـ.، وهذه هيلين أندلين وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية تقول: ”إن فكرة المساواة – التماثل- بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضراراً جسمية بالمرأة والأسرة والمجتمع”. أ.هـ. ، ورئيسة الجمعية النسائية الفرنسية رينيه ماري لوفاجيه تقول أيضاً: ”إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع ، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه”. أ.هـ.، ولو رجعنا إلى لغة الأرقام التي أجريت في بلاد الغرب لطال بنا المقام

وقبل الكاتب الكريم تعقيبنا هذا بسعة صدر نشكره عليها فى الحقيقة وأدعو الله أن يكثر من أمثاله .. وهو الباحث السعودى أبو عمير مشرف القسم الشرعي بمنتديات العز الثقافية