رسائل الطوفان ( رد الإتهامات عن الثورة المصرية )”1″

رسائل الطوفان (رد الإتهامات عن الثورة المصرية )”1″

( إن الرصاصة التى قتلت السادات , قتلت المعارضة المصرية فى الخارج فى نفس الوقت )
قائل هذه العبارة هو الكاتب الصحفي الراحل محمود السعدنى فى مذكراته بالجزء الرابع , منددا بضعف المعارضة المصرية التى أثبتت الأحداث آنذاك أنها تتاجر بالقضية ولا تناضل
وفى محاولتنا لقراءة الأحداث على الساحة المصرية اليوم بنظرة تحليلية , وجدت نفسي أتذكر هذه العبارة وأترحم على السعدنى ..
ليس بالطبع لأن معارضة المصريين فى الخارج قتيلة , وهامشية , ومستغلة , كما كانت أيام اغتيال السادات , ولكن لأن العبارة تعبر اليوم عن تيار المعارضة الرسمية فى الداخل ! ,
وهو المسمى الوحيد للمعارضة المشبوهة المتمثلة فى الأحزاب الرسمية فى مصر وفى بعض الحركات السياسية العاجزة ,
فهذه الحركات والأحزاب جميعا فضحتها ثورة تونس أولا , ثم قضت عليها جموع الشباب المصري منذ يوم 25 يناير , ولا يمكننا قراءة أحداث مصر اليوم بغير إدراك عدد من الحقائق .. يمكن اعتبارها الرسائل التى أرسلها الطوفان المصري والتونسي لمختلف الجبهات ..
الرسالة الأولى : من هم أصحاب الثورة ؟!
أن ثورة تونس أصبحت المثل الذى قاد العرب وأولهم مصر بعدها , وهذا شرف حققه التونسيون لا يمكننا إلا نقف احتراما له , ليس فقط لأنهم أسقطوا النظام ,
كلا ..
بل الأهم أنهم حققوا المعادلة المستحيلة , وهى قيام ثورة شعبية حقيقية لأول فى العالم العربي الحديث منذ ثورة 1919 م فى مصر ,
وبدون أى قيادات ظاهرة على الإطلاق !
وهذه هى معجزة الثورة التونسية فى الواقع ,
فبعد أن نجح الإستعمار القديم والجديد فى تحطيم الروح المعنوية للشعوب وزرع على أنظمة الحكم العربية أنظمة عميلة ودعم نظمها الديكتاتورية لتحقيق مصالحه ,
قامت هذه الأنظمة بقتل أى قيادة معارضة حقيقية ذات ثقافة واعية , وألقت بهم خارج المسرح , وسمحت فقط بالمعارضة الرسمية التى تتكسب من المتاجرة بقضايا المواطنين , فى نفس الوقت الذى أقامت فيه هذه الأنظمة حربا شعواء على العلماء والمفكرين والمثقفين وشغلتهم بلقمة العيش حتى لم يعد باقيا على الساحة قائد واحد يستطيع الشباب أن يثقوا به فيتبعوه !
فظل بعض الشباب بلا قائد وانساق آخرون خلف مختلف التيارات التى على الساحة وهى كلها بلا استثناء تيارات مغرضة , تهادن السلطة وتتعايش معها , بل ويخدمونها من خلف الستار أيضا , بدليل أن كل القيادات الموجودة على الساحة عجزت عن تحقيق أدنى حركة حقيقية للإصلاح السياسي
وهكذا ثبت بالدليل القاطع أن كل هذه التيارات مكشوفة فعلا للواعين من أبناء الأمة ,
وهنا قام الشباب المثقفون من الجيل الثالث الذى سبق أن تحدثنا عنه [1] والذى يميزه أنه تيار مستقل عن جميع التيارات الدينية والسياسية القائمة ,
سواء من الأحزاب القائمة , أو السلفية أو الإخوان أو الناصرية أو الشيوعية , …… إلخ
هذا الجيل الجديد الذى استقل عن كل الإنتماءات الضيقة المتعصبة , وانطلق إلى فضاء الإنترنت يبحث عن الحقيقة التاريخية مجردة من الهوى لأى نظام , وانطلق باحثا عن المستقبل دون اتباع أى تيار , بل اتبع الحق وحده
هذا الجيل الجديد هو الذى قاد الثورة التونسية ونجح بها هذا النجاح المذهل , ونجح من منع أى تيار من استثمار نجاحه لصالحه , ولم يعترف بقائد قط , بل كانت القيادة جماعية من هؤلاء الشباب فى معادلة مستحيلة ما كان أحد يتصور حدوثها أبدا
نفس هذا الجيل أيها السادة هو الذى يقود التغيير فى مصر منذ عشرة أعوام وحتى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ الوطن ,
هذا الجيل الذى استجاب لنداء بعضه البعض بأننا لا نريد التغيير على ظهر دبابة وانقلاب عسكري , فقد جربنا الأنظمة والثورات العسكرية بما يكفي , ونريدها ثورة شعبية حقيقية يقودها المفكرون الشبان , وسبق أيضا أن تحدثنا عن هذا قبل سنوات [2]
وتحدثنا عن طريقتنا فى المعارضة والإعتراض [3]
جيل مثقف مستقل اتخذ الإنترنت وسيلة للمعرفة والتعبير , وخرج وحده رافضا كافة الإنتماءات فلا هم من جيل عبد الناصر ولا السادات , ولا هم من الإخوان ولا الشيوعيين , ولا العلمانيين
هم مثقفون وفقط , شباب حر بمعنى الحرية الحقيقية , يطلب الحق وحده , ويحترمه ولكن دون تقديس لأحد , فالعلماء والمفكرين على رءوسنا , لكن العصمة للكتاب والسنة وحدهما
ولأن عالمنا العربي بمختلف طوائفه اعتاد عدم الإهتمام بنا كشباب , وألقانا فى الدرك الأسفل من الإهتمام , فقد لجأت طوائف المفكرين الشبان وقوادهم وأفكارهم إلى اعتماد الإنترنت متنفسا لهم , وصبروا على السخرية والإتهامات , ليكونوا هنالك فى العالم الإفتراضي رأى عام جديد غير مسيس بسياسة معينة , وينطلق من إنتماء معتدل لثقافته الإسلامية والعربية ,
وهؤلاء بأنهم تحلوا بالصدق التلقائي , نجحوا فى إخراج الملايين فى مصر , وشارك فى الثورة ثمانية ملايين مصري لا يمكن لعاقل أن يتصور خروجهم بسبب تخطيط مسبق ,
ولهذا سقطت سريعا الإتهامات العنجهية التى قادها النظام ورموزه للإيحاء بوقوف جهات أجنبية خلفهم أو جهات داخلية , فالجهات الأجنبية والداخلية تفاجأت أيضا بوقوع الثورة , ويجرى حاليا تحقيق موسع فى المخابرات الأمريكية لمعرفة سبب فشلها فى استنباط مؤشرات الثورة , كما أن جماعة الإخوان التى يحلو للنظام تخويف الغرب بها , كانت من الذين لم يشاركوا بالثورة منذ بدايتها , وها هم الآن فصيل من فصائل الوطن الذى يعبر عن نفسه فى ميدان التحرير وفى كافة مدن مصر , وأعلنها الشباب صراحة أنهم يمثلون أنفسهم ولا يمثلهم أحد ,
بدليل أن فصائل الأحزاب والجماعات التى تفاوضت مع النظام وقبلت الحوار معه لم تجد أى تجاوب من الثوار ولا زالوا يصرون على رحيل النظام بأكمله كشرط لفض الإعتصام والدخول فى المفاوضات ,
وكم صبرنا على الإتهامات السخيفة التى توجه بعض سدنة النظام عن تمويلات خارجية مضحكة , لم يحسن أصحابها تدبيرها , فقد اتهموا الشباب فى الميادين بالحصول يوميا على مائة يورو ووجبة كنتكاكى !
وهذه الإتهامات أمر طبيعى منهم لأن اللصوص يظنون دائما أن العالم يخلو من الأشراف ولا يمكنهم استيعاب وجود فئة شريفة حقا تخرج للحق والعدل والحرية ,
واتهامهم لنا بذلك يطبق المثل العربي الفصيح ( رمتنى بدائها وانسلت ) , لأن هؤلاء يتحدثون عن تجاربهم الشخصية فى الحزب الوطنى والذى يحشد أرباب السوابق وموظفي الحكومة بوجبة وحفنة من المال ليغنوا لمرشحيهم ,
ولهذا تصوروا الشعب المليونى الثائر خرج بنفس الأسلوب !
ولو أن هذه الإتهامات لا تستحق ردا عليها , إلا أن ما يلفت النظر فيها غباؤها المطلق !
فثمانية ملايين متظاهر منهم مليون فى ميدان التحرير وحده يحتاجون ثمانية مليارات يورو ! , فكيف ومن أين دخلت هذه الأموال ولم يتم رصدها من الأجهزة !!
ولو أن شركة كنتاكى حصرت عملها على مصر وحدها لما تمكنت من توفير ثمانية ملايين أو حتى مليون وجبة !
الأمر الآخر ,
أن المتظاهرين سقط منهم خمسة آلاف مصاب و300 شهيد فى الأحداث وآخرها موقعة ميدان التحرير التى أثارت غضب العالم كله , فمن هذا الذى سيضحى بنفسه فى سبيل المال ؟!
ناهيكم عن أن الإتهامات بالتدخل الخارجى تشي بالفعل أن النظام الحاكم ومريديه , يظنون أن المصريين مثلهم , !
وظهرت على شاشة قناة المحور فتاة تدعى أنها من شباب الثورة وأنها تلقت خمسين ألف دولار وتدربت فى قطر والولايات المتحدة على فن إحداث المظاهرات لقلب نظام الحكم !!!
ولست أدرى أين عقول من صاغوا مثل هذه الإفتراءات ؟!!
هل يوجد عاقل يتصور الولايات المتحدة بهذه الحماقة التى تعتمد فيها على شباب أغر وتظن أنهم قادرين على قيادة كافة الجماهير ؟!
بل أين هو من كان يتوقع فى العالم أجمع أن يخرج الشباب والشيوخ معا بلا أى قيادة ظاهرة ليثوروا فى وجه النظام ؟
وهؤلاء الذين يزعمون أنهم تدربوا على فن قيادة الجماهير , فلماذا لم يظهروا فى المظاهرات كزعماء لها ؟!
لماذا لم نر وجها واحدا من هؤلاء الشباب التف حوله المتظاهرون وكان يقود الجماهير قيادة فعلية ؟!
وأين هو الأحمق الذى يتخيل أن تقف فتاة تتهم نفسها بالتخابر مع دولة أجنبية على شاشة التلفاز ؟!
وأين كانت أجهزة المخابرات والمباحث من هذا كله , وهى التى كنت تعتقل الأبرياء فضلا على المتهمين ؟!
وهل كانت أجهزة المخابرات الأمريكية هى أيضا من تسببت فى الأسباب التى جعلت الملاين يخرجون للمظاهرات ,
فهل هى التى سرقت ونهبت أموال الشعب , وهى التى نشرت البطالة والفساد , وهى التى أورثت مصر كإقطاعية لرجال الأعمال ؟!
هذا الإتهام المضحك ,
يذكرنى باتهام التائبين من الممثلات بأنهم تلقوا أموالا بالملايين لكى يتوبوا ويرتدوا الحجاب الشرعي , فردت إحدى التائبات قائلة :
أرونى أين هذا الذى يدفع الملايين ليستر عرض نساء المسلمين حتى أقبل يده !
بالإضافة إلى أسئلة منطقية أخرى ..
فمن هم الذين استقدموا النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط ؟!
نحن أم النظام
ومن الذين مدوا الإسرائيليين بالدعم والغاز الطبيعى والمساعدة الأمنية لمطاردة عناصر المقاومة الفلسطينية ؟!
نحن أم النظام
ومن الذى حاصر غزة من جهته وهى تُضرب بالصواريخ من اليهود ورفض إنقاذهم بل واعتقل كل من حاول مد يد المساعدة لهم ؟!
نحن أم النظام
ومن الذى جعل من نفسه خادما للمصالح الأمريكية والإسرائيلية لدرجة أن إسرائيل اليوم تتدخل عبر تصريحات قادتها لإنقاذ مبارك وتصفه بالصديق الأكبر لها فى المنطقة ؟!
نحن أم النظام
ومن الذى فتح الباب للولايات المتحدة لتفرض معونتها وشروطها لقاء المعونة فتتدخل لمحاربة التعليم الدينى وتعديل المناهج ويقوم مبارك بالزيارة السنوية لتقديم فروض الطاعة والولاء للبيت الأبيض ؟!
نحن أم النظام
ومن الذى عاون الولايات المتحدة فى حربها على المسلمين والعرب بزعم محاربة الإرهاب ووضع أجهزة الأمن المصرية رهن خدمة نظيرتها الأمريكية لاستجواب الأسري ؟!
نحن أم النظام
وعلى من تدفقت أسلحة القمع وقنابل الغاز والرصاص المطاطى , ؟!
علينا أم على النظام
ويستخدمون وثائق ( ويكيليكس ) التى تتهم قطر باستخدام الجزيرة لضرب الإستقرار فى مصر , بعد أن يخرج المصريون للشارع
ومن دبر هذه الكذبة يبدو أنه دبرها على عجل , فلم ينتبه إلى أن موقع ويكيليكس يفرج عن وثائقه على اعتبار أنه تصرف غير حكومى لكن تسريبه هذا فضح المؤامرة وإذا بهذا الموقع يسرب الوثائق بعلم وتدبير الإدارة الأمريكية ,
وإلا لماذا خرجت هذه الوثيقة الآن بالذات ولم تخرج قبل الأحداث ؟!
هذا فضلا على أن وثائق نفس الموقع كانت تتحدث عن عجز الإدارة الأمريكية قبل شهور من توقع أحداث تونس , وما حدث فيها كان مفاجأة كاملة , كذلك ما حدث فى مصر ,
فكيف ومتى عرف وتنبأ الأمريكيون بأن الشعب المصري كله سيخرج للشارع بهذا الزخم حتى يكلفوا الجزيرة بتغطية الأحداث ودفعها إلى السخونة ؟!
لا سيما وأن مبارك نفسه ونظامه والعالم أجمع , بل وحتى المتظاهرون أنفسهم ما توقعوا هذا النجاح المذهل لثورتهم !
وهو اتهام أجوف آخر , لأن نفس ما غطته الجزيرة من أحداث قامت به كل القنوات الفضائية العالمية مثل البي بي سي والعربية والحرة والسي إن إن والمستقلة وغيرهم ,
فهل تحالف الإعلام العالمى كله ضدكم الآن وأنتم الذين كنتم تتخذونه مرجعية كإعلام حر فيما مضي ؟!
ولو أنهم سيقبلون حديث الوثائق فسيخسرون حتما ,
وإلا أخرجنا لهم وثائق حرب العراق , ومذكرات قادة الجيش الأمريكى التى تحدثت عن دور مبارك وحكام المنطقة , فضلا على وثائق حرب الإرهاب التى قادها جورج بوش وكشفها بوب وودورد فى كتابه ( خطة الهجوم ) ,
وغير ذلك من آلاف الوثائق التى تفضح عهد مبارك بأكمله وتشي بمدى استجابته للسياسة الأمريكية وطلباتها ,
فهذه الأنظمة وأذنابها هم من يقومون على خدمة الغرب الذي يشكون من تدخله الآن , وكانوا بالأمس القريب يشيدون بالحكمة الأمريكية والصداقة الأمريكية ؟!
والآن يرمون بالتهمة على الشباب الذي دفع ثمن أخطائهم وعانى فى ظل أنظمتهم من العجز والقهر والإستغلال
وصدق النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال ( إن لم تستح فاصنع ما شئت )

يتبع …

الهوامش :



التعليقات مغلقة.