رسائل الطوفان (رد الإتهامات عن الثورة المصرية )”2″

رسائل الطوفان ( د الإتهامات عن الثورة المصرية )”2″
لماذا نصر على إسقاط النظام ؟!

خرجت بعض الدعوات تدعو المتظاهرين لفض المظاهرات والاكتفاء وقتيا بما قدمه مبارك فى الأيام السابقة , والمطالبون بذلك لا يدركون مدى عمق ثقافة الشباب وإدراكهم التام لأهدافهم المتمثل فى النقاط التالية ..


* هذا النظام لو كان الأمر بيده لأباد الثمانية مليون متظاهر عن بكرة أبيهم , وعقلياتهم لا يمكن أن تتغير , فهم لا يستجيبون للمنطق أبدا ولا للعدالة بل يستجيبون للضغط والقوة فحسب ,
والدليل أن مبارك استخدم القوة المفرطة فى البداية وأباد ثلثمائة قتيل وخمسة آلاف جريح ومفقود , ولما أدرك عجز الشرطة وهزيمتها أمام صمود الشباب تنازل جزئيا بإقالة الحكومة , ثم عاد وقدم تنازلا تلو الآخر تحت الضغط ,
ولو أن المظاهرات خفت لحظة واحدة لما بادر بتقديم التنازلات بنظام التقسيط , وهو على عادته يراهن على عامل الوقت حتى ينجو بنظامه ,
وما دامت المظاهرات مستمرة والضغط قائم , فالتنازلات ستتوالى , وستتوقف فور انتهاء المظاهرات ,
وما قدمه النظام يثير السخرية حقا , فتغيير الحكومة تبعه الإحتفاظ بعدد من الوزراء من الحكومة السابقة ماضين على نفس النهج , ومنهم وزير الإعلام والبترول والتضامن وغيرهم ,
وكان أقبحهم وجها هو وزير الإعلام الذى بادر إلى إغلاق مكتب الجزيرة وهدد مكاتب بقية القنوات المستقلة واتهمها بنشر معلومات كاذبة , وتآمرت على مصر ,
وكأن قناة الجزيرة كانت تعرض صور فوتو شوب للمظاهرات , وليست صورا وأحداثا حقيقية ,
وكأن قناة الجزيرة ومن خلفها هم من أوقعوا مصر فى التحكم واستعباد الناس وسرقوا ثرواتهم ؟!
وكل ما فعلته الجزيرة والعربية والبي بي سي , هى أنها نقلت بأمانة واقع الأحداث بعيدا عن المزايدات والتزييف
بينما وزارته وجهازه التليفزيونى هو الأجدر بهذا الإتهام بعد أن شوه صورة الثوار , وأوهم الناس بأن مصر تخلو من المظاهرات , ثم عاد واتهم المظاهرات بأنها من صنع الإخوان , والآن يدير حملة للترويج بأن الثورة تستغلها عناصر خارجية !
فكيف يمكن أن نثق مبارك وقد أبقي على هذا الطــبّال فضلا على أنه عرض الوزارة على رشيد محمد رشيد وبعض من رجال الأعمال فضلا على يوسف بطرس غالى وزير الجباية , لكنهم رفضوا الوزارة ,
والآن يعلن النظام أنه جمد حساباتهم ويستعد للتحقيق معهم ,
فكيف عرضت عليهم الدخول فى التغيير الوزارى ثم جئت تتهمهم الآن ؟!
فهذا أكبر دليل على أنه كان ينوى الإكتفاء بتغيير الوزارة فقط , والإبقاء على سائر النظام
كما أنه لم يعتذر عن الضحايا التى سقطت بل كانت الطامة الكبري أنه فى الخطابين الأخيرين يحملنا مسئولية التخريب الذى وقع , وكأن الشباب هم من أطلقوا السجون وأحرقوا أقسام الشرطة فى وقت واحد , وقتلوا الأبرياء بالشوارع بالرصاص الحى !!


* الأمر الثانى , أنه فى نفس الوقت الذى يدعى فيه نظام مبارك أنه قد تغير , نجد الإعلام الحكومى فى التليفزيون والصحف لا زال على نفس استخفافه بالمشاهدين بدرجة تثير السخرية !
فمن نداءات النفاق باعتبار مبارك هو الرئيس الشرعي , إلى تجاهل تغطية المظاهرات فى أنحاء البلاد إلى تسيير المظاهرات مدفوعة الأجر التى تنادى ببقاء مبارك , إلى قطع الإتصالات والإنترنت , إلى استمرار الإعتقالات للناشطين ومنهم أنصار البرادعى , ثم يخرج رئيس الحكومة الجديدة ليبرر ذلك بأنهم اعتقلوا أنصار رجل يسبب لهم القلق !!
سبحان الله على هذه العقول ,
كيف تعدون بالإصلاح ولا زال جهاز أمن الدولة يعتقل ويراقب معارضيكم , فى نفس الوقت الذى تعجز فيه أجهزة الأمن عن حفظ الأمن وهو مهمتها الرئيسية , ولا تظهر البراعة إلا أمام دعاة الإصلاح !
كل هذه الأساليب لم تتوقف ولن تتوقف مما يفقدنا أدنى أمل فى نوايا هذا النظام !


* لا زال الخطاب الرسمى إلى اليوم من مبارك نفسه ومن عمر سليمان ـ الرجل الصحيح فى التوقيت الخطأ ـ يردد نفس الأسطوانة المتخلفة التى تنادى بأن هناك تمويلا خارجيا لحركة التظاهر !
وهو أمر فى منتهى الغرابة أن يدعى النظام شرعية مطالب المتظاهرين وأنه مع شباب 25 يناير ومطالبهم , ويستجيب لبعضها ثم يصر على دعواه بإلقاء الإتهامات على كاهل الثوار !
فلو كنتم واثقين حقا أن هؤلاء الشباب ينفذون أجندة خارجية , فدلونا على هذه الجهات الخارجية التى تدفعكم لتحقيق الإصلاحات واحدا بعد الآخر حتى نتقدم لها بالشكر بعد أن تسببت فى تنفيذكم لبعض مطالب الإصلاح !
ويصر النظام كذلك على أسلوب التعامل الفوقي مع الناس عندما يعلن مبارك أنه أصلا لم يكن ينتوى الترشيح أو ترشيح ابنه , وكأن الثورة لو لم تقم لما ترشح مبارك أو جمال للرياسة !
فضلا على ترويجه لنظرية أنه حامى الإستقرار وأن رحيله يعنى الفوضي !
نفس النظرة الفوقية وتضخم الذات ومنتهى الغرور والإستخفاف بالناس , ونحن ما عرفنا الفوضي إلا مع هذا النظام


وحتى عندما خرج بخطاب مؤثر , وكاد الناس يتفاعلون معه فعلا , فإذا ببعض عناصر الحزب الوطنى تروج لمظاهرات مدفوعة الأجر فى عدة مناطق قاموا بتكوينها ـ وفقا لمصادر النظام نفسه ـ من أنصار رجال الأعمال التابعين للحزب الوطنى , فى تمثيلية سخيفة انتهت بمجزرة دامية فى ميدان التحرير عندما تم دفع عناصر البلطجية للإحتكاك بالمتظاهرين هناك وأسفرت عن آلاف المصابين و11 قتيلا
وعندما انكشف الأمر ,
لم يستطع الإعلام الحكومى أن يتراجع فخرجت جريدة المساء القاهرية بمقال لرئيس تحريرها يعلن أن الملايين من شعب مصر خرجت لتأييد الرئيس مبارك والاعتذار له !!
ورؤساء تحرير الصحف الحكومية المنافقة تلك , هم أول من يجب تحويلهم للمحاكمة العسكرية بتهمة التضليل بعد أن افتضح أمرهم فى العالم أجمع وأصبحوا مثار سخرية الناس


كما صدرت بعض الدعوات مؤداها أن إهانة الرئيس مبارك لا تليق !
وكأن المظاهرات التى تطالبه بالرحيل هى إهانة للرجل الذى خدم مصر على حد قولهم , وينسي هؤلاء الكتبة أن الإهانة الحقيقية لحقت بمصر لأجل رجل واحد هو مبارك ,
وأصبحت مصر فى عهده إحدى الولايات الأمريكية , واستعبدت السلطة الغاشمة مواطنيها , وأهانت المواطنين وأساتذة الجامعات فى أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة , وأهانت القضاة فى الشوارع ولجان الإنتخابات دون أن يحدثنا أحد ساعتها عن الكرامة والإهانة !
أم هل نسيتم ذلك القاضي الشاب الذى ركله ضباط أمن الدولة على رصيف نادى القضاة وكسروا ذراعه وظهر على شاشات التلفاز وهو يبكى قهرا وكمدا ,
ونسيتم القاضي الذى مزق ضابط شرطة إثبات شخصيته وطرده خارج لجان الإنتخابات فى الإنتخابات الماضية ؟!


ويتحدث اللواء عمر سليمان على أن الجيش لن يسمح بإهانة أحد قادة أكتوبر
سبحان الله يا مدير المخابرات السابق ورجل الأمن العبقري الذى شهدنا له مرارا بالبراعة ,
هل نسيت سريعا ما لاقاه الفريق أول سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب أكتوبر , والرجل الأول فيها , وكيف أن مبارك أهانه وأطلق عليه كلاب الصحف القومية تنهشه ونزعوا عنه كل تكريم , وألقوه بالسجن الحربي بحكم باطل أثبت بطلانه رجال القضاء العادل , وقضي فى السجن فترة الحبس ليخرج منزويا عن الأضواء
فمبارك أهان قائده نفسه , فلماذا سكت الجيش عندئذ ؟!

ونسيتم عشرات بل مئات الضحايا الذين تم هتك عرضهم فى مقار أمن الدولة , فمنهم من قتلوه ومنهم من أخرجوه مقتول الكبرياء والكرامة والآدمية !
وهؤلاء الذين يتناسون دماء الشهداء قديما وحديثا , ما كان لهم أن يتفوهوا بهذه الأقوال لو أن لهم ضحية بين الضحايا , لكنهم يتكلمون بهذا الكلام ويتحدثون عن الإحترام وهو يجلسون على مقاعدهم الوثيرة فى انتظار المكاسب على أى مائدة


* يدعى النظام أن تمسكه ببقاء مبارك , ضرورى للتعديلات الدستورية , وهذا أمر مردود عليه أن إحالة التعديلات لمجلس الشعب المزور أمر غير دستورى ,
فكيف يمكن اعتماد التعديلات التى تطالب بها الجماهير من مجلس شعب اعترف النظام نفسه أنه مجلس غير شرعي وصدر ضده 1050 حكما قضائيا ببطلان 95% من مقاعده ؟!
وهل يمكن لعاقل أن يقبل بأن يشرف فتحى سرور ترزى القوانين على التعديلات التى تطلبها الجماهير ؟!
لا سيما وأنه عبد المأمور , ولا يتحرك إلا بالأوامر , ولم يستح هذا الرجل الذى كان يردد حتى أيام قليلة قبل الثورة أن مجلس الشعب سيد قراره , وأن المجلس شرعي مائة فى المائة , وعندما صدرت الأوامر قلب منهجه إلى النقيض فى لحظة واحدة وأعلن أن مجلس الشعب يحترم أحكام القضاء وسيتم النظر والفصل فى صحة العضوية بناء على أحكام القضاء بلا تأخير !!
لهذه الدرجة يهين المرء نفسه ويجعلها فى زمرة عبيد الحاكم بلا أدنى كرامة !!


والقول بأن الدستور يمنع تنازل الرئيس لنائبه عن كل اختصاصاته بما فيها طلب تعديل الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى أمر مردود عليه بأنه فى استطاعة مبارك أن يقوم هو بحل مجلس الشعب والشورى ثم يستقيل من منصبه ويكلف نائبه بالفترة الإنتقالية التى يعمل من خلالها النائب على إنشاء لجنة دستور مستقلة من كبار القضاة المستقلين كما دعا المستشار زكريا عبد العزيز , وهذه اللجنة تتولى صياغة التعديلات ويتم إجراء الإنتخابات البرلمانية الصحيحة برقابة دولية
بل ويمكن تأجيل التعديلات إلى ما بعد إجراء الإنتخابات التشريعية التى يتولى مجلس الشعب بعدها تعديل الدستور
بل ويمكن أيضا تجاوز الدستور الحالى بكل بنوده وتعديله عبر لجنة خاصة من الشخصيات المستقلة , لأن البلاد الآن فى حالة ثورية تتيح لها النزول على طلب الجماهير وتجاهل الدستور المعلب القائم ,
لا سيما وأن تمسك النظام بالدستور يبدو غريبا جدا على سوابقه فى هذا المجال , وهو النظام الذى ما احترم دستورا ولا حكما قضائيا فى تاريخه , ويأتى الآن يزايد علينا باحترام الدستور !
ومسألة تجاوز الدستور لصالح مطالب الجماهير ليست بدعة , فالدستور ليس قرآنا منزلا , فضلا على أن أكبر فقيه قانونى فى العالم العربي الدكتور عبد الرازق السنهورى أفتى بجواز تجاوز الدستور القائم من رجال ثورة يوليو لأنهم أقاموا شرعية جديدة ثورية ولهم الحق فى هذا المجال ,
والرقيب هنا فى كافة الأحوال هو الشعب الثائر القابع فى الميادين , وهم الذين يراقبون ما يقوم به رجال القانون , ولهم حق قبول التعديلات أو رفضها وفق مطالبهم
وآخر القول ..
أن ما نطلبه فى تعديل الدستور ليس لغزا , ولا هو أمر بحاجة لبحث وتقصي , بل هى مطالب معروفة ولن يكون دور رجال القانون إلا صياغتها وفق مطالب الشعب ,
فالدساتير ـ وفق قول كل فقهاء القانون الدستورى فى العالم ـ لا يضعها أهل القانون , بل تضعها الشعوب , ويتولى أهل القانون صياغتها فحسب فى مواد قانونية , ولهذا يبدأ أى دستور فى العالم بكلمة ( نحن الشعب …. )


بالإضافة للنقطة الأهم ,
أن مطلبنا برحيل مبارك هو المطلب الأهم والأول , ويفوق فى الأهمية تعديل الدستور , والمتظاهرون قد يقبلوا التفاهم بإنهاء المظاهرات وانتظار تعديل الدستور بمجلس تشريعى جديد , لكنهم أبدا لن يقبلوا بقاء هذا النظام تحت أى ظرف
وهذا أمر منطقي لا إشكال فيه ,
فالتعديلات لا تعدو كونها مبادرة بإنشاء حياة دستورية جديدة , ونحن لا نأمن النظام القديم أن يشرف على هذه الحياة ولا نريد له أصلا أن تكون له يدا فيها بأى شكل من الأشكال


* أخطر نقطة تجعل الثوار يصرون على تنحى مبارك هو أن النظام الحاكم الآن قام باعتقال عدد من رموز الفساد فى نظامه تمهيدا لمحاكمتهم
ونحن نسأل هنا سؤالا منطقيا ,
عندما تتم المحاكمة التى نصر على علانيتها , ويقوم العادلى وأحمد عز وغيرهم من رموز نظام مبارك باتهام هذا الأخير أو نجله جمال مبارك بأنهم متورطون معهم فى كل الجرائم التى تم ارتكابها بحق الشعب ؟!
كيف سيكون متاحا محاكمة مبارك وجمال مبارك أو حتى استجوابهم لو ظلوا بمناصبهم ؟!
أم أن النظام الحاكم يصر على البقاء طمعا فى الهروب من التحقيقات ؟!


* الإدعاء المنتشر بأن المظاهرات تعطل البلد وتخربه ,
وهو إدعاء مضحك فى الحقيقة , فمتى شهدت مصر فى عهدكم كله عمارا واستقرارا ؟!
فقد احتمل الشعب المصري ثلاثين عاما من الخراب وستين عاما من الديكتاتورية والفقر والنهب والسلب , فهل ستضيق الأرض بنا الآن لو صبرنا شهرا واحدا لننال كل حقوقنا ,


وثمة نقطة هامة لم ينتبه إليها المزايدون علينا لإنهاء المظاهرات ,
وهى أن أجيالهم السابقة هى التى تربت على ثقافة الإستعباد , وثقافة انتظار تفضل الحاكم عليهم بما يراه من مطالبهم ,
أما نحن الآن فنختلف عنهم , لأننا لم نقدم شهداءنا وقتلانا , ونقوم بهذا الإنجاز التاريخى ليظل النظام الحاكم على ظنه بأن الشعب لديه صبر على سياسة التقسيط فى الإستجابة للمطالب
فبعد ثلاثين عاما من القهر والاستعباد , وخراب الذمم , وسقوط الشرعية , ليس من حق النظام المزايدة علينا بآلام الفقراء فى ظل المظاهرات , فالفقراء عانوا طيلة ثلاثين عاما من الفقر والإضطهاد فى ظل حكم هذا النظام ,
ولو كان النظام يتسم بالصراحة حقا , لقال بأنه يخشي على نفسه من استمرار المظاهرات والضغوط , ولا يخشي على الشرعية الدستورية التى يتاجر بها الآن ,
فأين هى شرعيتكم التى تدعون حمايتها ؟!
وهل أبقي لكم الشعب شرعية بعد هذا الخروج الحافل لرفض نظامكم بأكمله ؟!
وأنتم الآن تتاجرون بالدستور الذى يمنع الإصلاح العاجل , فمنذ متى كنتم تحفلون بالدستور والقانون أو حتى بكتاب الله لتحقيق رغباتكم ومطالبكم ؟!
أم أنكم نسيتم أن رغبات مبارك السامية كانت تصدر فيتم تنفيذها فى لحظات ولا عزاء للدستور , والأمثلة أكثر من أن تحصي بداية من التعديلات السابقة للدستور وانتهاء بقانون الطوارئ ؟!
يتبع ..

التعليقات مغلقة.