رسائل الطوفان (رد الإتهامات عن الثورة المصرية )”4″

إلى التيار السلفي


أما الذى أصيب برصاصة الرحمة فعلا , فهو التيار السلفي فى مصر وجماعة أنصار السنة , فبخلاف الدكتور وجدى غنيم كان موقف التيار السلفي من الأحداث موزعا على جانبين
موقف الصمت والتجاهل التام , وهذه هى الغالبية الساحقة ,
وموقف آخر مخزى فى الحقيقة , هو موقف تأييد الأنظمة الحاكمة ,
فجماعة أنصار السنة فى العام الماضي أخرج أحد قادتها تصريحا يزكى ترشيح جمال مبارك , وآخر منذ فترة قريبة أخرج تصريحا مضحكا بجواز قتل البرادعى لأنه خارج عن النظام وهو ما انتقدته القيادة الرسمية لأنصار السنة ,
ثم كانت الكارثة الكبري فى تصريح الشيخ محمد حسان بحرمة المظاهرات وأنها لا ترضي الله ! ثم عاد وقال إنها فتنة !

سبحانك ربي !
أين هى المفاهيم السلفية نفسها فى تصريح الشيخ حسان , وقد ضرب بهذا التصريح عرض الحائط كل ثوابت السلف الصالح والذين هم حجة عليه وعلى غيره ممن يدعوننا إلى السلف ,
وهى دعوة الصدق والحق بلا خلاف , ولكننا فى ميدان المظاهرات طبقنا مبادئ السلف الصالح عمليا بينما كان الشيخ حسان ومن تابعه يطبقوها فقط فى الفضائيات ,
أول مخالفات حسان بهذا التصريح تأتى لاستخدامه كلمة ( لا يرضي الله ) فى وصف أعمال التظاهر !
فهذه كلمة لا يمكن استخدامها إلا فى نطاق الثابت قرآنا وسنة , بشكل قاطع
وإمام السنة والسلف الصالح أحمد بن حنبل ما كان يجرؤ على وصف فعل يسأل عنه ــ من غير الأمور القاطعة الحل والحرمة ــــ بلفظ حلال أو حرام وإنما كان يستخدم لفظ يجوز أو لا يجوز تورعا منه أن يكون مخطئا فى التحريم فيقع تحت الآية الكريمة
[وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ] {النحل:116}
فكيف تصف المظاهرات بأنها لا ترضي الله , وهى التى أسقطت طاغية تونس بينما أنتم علماء ودعاة السلف لم تحاولوا ـ حتى مجرد محاولة ــ تحريض الأمة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مجال فساد الحكام !
وطاغية تونس الذى ما ترك فرضا للإسلام إلا وهتك من يطبقه , من الصلاة إلى الحجاب إلى فريضة الحج ! , هل هذا هو الحاكم الذى يسكت الشعب عن انتقاده حتى بالتظاهر !
ثم نأتى للإشكالية والمغالطة الكبري التى تمثلت فى اتهام المتظاهرين بالخروج غير الجائز على الحاكم !!
ورغم أن هذا القول لا يحتاج عاقل للرد عليه , إلا أننا نسأل فقط ,
أين هو الخروج المسلح على الحاكم والذى حرمته الشريعة إلا فى حدود الكفر البواح ؟!
هل التظاهر فى الشوارع بلا أى سلاح والمطالبة بالحقوق المشروعة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تعتبر فى عرف السلف خروجا على الحاكم ؟!
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال مخاطبا الناس فى المدينة : ماذا تقولون إن ملت برأسي هكذا
فقال له أحد الجالسين : إذا نقول بسيوفنا هكذا
وهذا عمر بن الخطاب نفسه , يستمع لخروج بالسيف فيقره إن هو حاد عن الحق ومال عنه , فهل تراه لم يبلغه حكم الخروج الذى تروجون له الآن بالذات وتنسون كافة آيات القرآن وأحاديث السنة التى تحرض المؤمن على الغضب فى دين الله ؟
ونسأل أيضا ..
ألستم تدعون الناس لاتباع السنة , سبحان الله
أين أنتم من حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة , ورجلٌ قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله )
وأين أنتم من قوله عليه الصلاة والسلام ( خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )
ما لكم صرتم تدعون لطاعة الطواغيت , ولم نر منكم واحدا جهر بكلمة حق فى الشأن السياسي على شاشة الفضائيات التى ملأتم فضاءها بآلاف الأحاديث عن السنة والسلف الصالح !
لماذا لم نر واحدا منكم معتقلا مثل النشطاء السياسيين الذين طبقوا بحق مبادئ السلف فى الدفاع عن المجتمع ؟!
لماذا لا يرغب واحد منكم فى الذهاب شهيدا لكلمة الحق ضد نظام مبارك وبقية أنظمة الحكم العربي ؟!
لماذا سكتم عن علماء السلفية الحقيقيين الذين وقفوا وجهروا بكلمة الحق , فنالوا التعذيب والإضطهاد وأصروا على تجربتهم مثل الشيخ حمود العقلا الشعيبي وتلاميذه , ومثل الدكتور عبد الله النفيسي

أليس بن تيمية وبن حنبل وغيرهم من كبار العلماء هم رعاة السلف الصالح ؟!
وأنتم ـ يا شيوخنا الأجلاء ـ تدعوننا ليل نهار لاتباعهم , فأين أنتم من تجارب هؤلاء العلماء , الذين لم يحاربوا الباطل من الغرف المكيفة , بل حاربوه جنبا إلى جنب فى ساحة الجماهير , فتصدى بن حنبل لدعاة المعتزلة وحارب المأمون والمعتصم والواثق , وشبع ضربا وتنكيلا , ومات أحمد بن نصر الخزاعى فى نفس القضية ,
وبن تيمية , وهو المثل البارز الذين تحرضون الناس لقراءة كتبه , لماذا لم تقرءوا تجربته ؟!
ألم يمت بن تيمية شهيد رأيه فى المعتقل الذى كان جبا مظلما لا يعرف فيه ليلا من نهار ؟!
ألم يدخل بن تيمية على ملك المغول فى الشام , ودخل أبو حنيفة على أبي جعفر المنصور , والشافعى على الرشيد , وبن نصر على الواثق , فقالوا كلمة الحق غير هيابين ؟!
أين كلمتك يا شيخ حسان من تآمر أنظمة الحكم التى تدعى السلفية مع أعداء المسلمين ؟! وفى قهر الشعوب ونهب الثروات , وإشاعة الإنحلال
لماذا تنتقدون كل هذا من خلف ستار , ولا نسمع لأحدكم تصريحا يحمل اسم حاكم ظالم واحد ؟!
وظل الكثيرون منكم يعلمون كأبواق للحكام بالصمت , فينتقدون الصحفيين والوزراء ـ على قلة الإنتقاد ـ ولا ينتقدون من ولاهم ومنحهم الفرصة ليعتدوا على الإسلام والمسلمين

وقل لنا يا شيخ حسان ؟
أين تطبيقكم للولاء والبراء ؟!
سمعناكم تنهون المسلمين عن الشراء من تاجر نصرانى وتعتبرون هذا مخالفا للولاء والبراء , بينما تصمتون عن حكامنا فى مختلف الأقطار العربية ممن يتحالفون مع اليهود والصليبيين ويشترون منهم الأسلحة التى يقهرون بها الشعوب , بل ويعاونهم هؤلاء الحكام على غزو أرض المسلمين فى العراق وأفغانستان ..
فانطلقت القذائف والجيوش الأمريكية من أراضي المسلمين لتقصف أرض المسلمين وأنتم مشغولون بالرد على مصطفي حسنى وعمرو خالد !
أين حديث الولاء والبراء هنا ؟!
أين قول الله عز وجل ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )

كارثة ورب الكعبة ,
كارثة أن نحصي أربعة وستين ردا تليفزيونيا على مصطفي حسنى فى إثبات فرض النقاب ! , ولا نقرأ همسة واحدة من هؤلاء العلماء قادة الأمة تنعى تزوير إرادة الشعب فى الإنتخابات أو القهر السياسي أو التآمر مع الغرب !
كارثة أن يخرج بعض العلمانيين أنفسهم ليقودوا جموع الشعب فى المظاهرات طلبا للحرية , بينما يقبع دعاتنا ولا يكتفون بالصمت بل يحرضون الناس على عدم الخروج !
بل كانت المصيبة حقا , أن يستجيب الممثلون ــــ وهم أكبر الفئات المستفيدة من النظام المصري ــ فينظمون عبر نقابتهم مؤتمرا أعلنوا فيه إنضمام مائة وعشرين ممثلا إلى زمرة المتظاهرين والمطالبين بالإصلاح السياسي !
الممثلون يا سادة , استجابوا لنداء الواجب , وربما خشي بعضهم ردة فعل الجمهور على شعبيته فانضم لدعاة الإصلاح وصمت الباقون , أو انضموا لزمرة المؤيدين
بينما نطق دعاتنا .. وليتهم ما نطقوا !
فخشية من ماذا بالضبط وعلى ماذا ؟!
هل خوفا من التضييق على القنوات الفضائية , أم خوفا من اضطهاد الحكام ؟!
وللغرابة ..
صدر من البابا شنودة بابا الكنيسة المصرية تحذير لشبابهم من الخروج فى المظاهرات , وتزامن هذا مع تحذير شيوخنا الأجلاء ,
أليس عارا أن تتفق كلمة الطرفين على أمر واحد يا دعاة الأمة ؟!
ألستم أنتم أجدر الناس بقيادة الشعب إلى التغيير ؟!

إن التيار السلفي كله يعانى منذ خروجه , بأنه فى المجال السياسي يفتقر إلى أدنى مصداقية , ويتبع خط الحكام تحت أى ظرف , وهو ما جلب لأمة كوارث متعددة ,
رغم مساهمة التيار السلفي فى التصدى للتيارات الطائفية , والبدع وغيرها من مجالات الإصلاح الدينى , إلا أنهم فى المجال السياسي كانت الغالبية الساحقة منهم تعتزل المواجهة ولا تستأسد إلا على بعض الأذناب !
ومن أكثر الأزمات التى لاحظناها فى هذا الشأن أنهم فى بعض الأحيان يتسببون فى تحقيق أهداف العلمانيين وغيرهم عندما يتصدوا للرد على بعضهم , رغم هوان شأنهم ,
فتجد بعض دعاتنا يهتمون بنكرات لا تساوى شيئا فى عالم الإعلام , ولا يستحقون أن ينبرى العلماء الكبار لهم فيمنحوهم الشهرة التى يطلبونها , لأن الرد يجب أن يقتصر على كبار العلمانية وعلى من يمتلكون وسائل النشر والإقناع , فهؤلاء هم مصدر الخطر
كما أنهم يكررون الحديث ويضخمون بعض القضايا الهامة , فيخرجون بها من مفهوم بعض قضايا الإسلام إلى مفهوم آخر وهو كل قضايا الإسلام !
والدليل أننا نحصي مئات الخطب والدروس على وجوب فرض اللحية , وتحريم الغناء , وغيرها من فروض الإسلام التى تستحق التوجيه ,
لكنها أبدا لم تحتكر الشريعة !
وإذا بحثنا عن القضايا السياسية ودور الفرد المسلم فى مجتمعه والتى عالجها القرآن والسنة فى نصف النصوص التشريعية على الأقل لا تجد منهم إلا أحاديث طاعة الحكام !
فأين طاعة الله ورسوله عليه السلام , تلك الواجبة أولا على الحكام , وماذا تنتظرون من حكامنا بعد ستين عاما رموا فيها الأمة إلى حضيض الحضيض ! ؟!
وليت الأمر يحتاج إلى دراسة الوثائق السرية المتسربة عن نشاط حكام عالمنا العربي لنثبت لكل عاقل أنهم متواطئون بالجملة , بل يكفي جدا أن يتأمل كل منصف فى الأمور المعلنة والتى لا يستحى منها الحكام ليعرف أين موقع هؤلاء الذين يسميهم دعاتنا ولاة أمر الأمة ؟!

ومن أوجه التناقض العمياء فى المسألة السلفية , أنهم يحققون نفس النداء العلمانى القائل بفصل الدين عن الدولة ,
فإذا كان العلمانيون ينادون به قولا , فهؤلاء يطبقونه فعلا !
ولست أدرى هل ينتبهون لذلك أم لا ؟!
وإلا ما معنى انعزالهم التام والغريب عن أى نشاط سياسي ولو بالتوجيه ؟!

وهذا الأمر إن أثبت شيئا , فإنما يثبت للجميع أن الحل فى اتباع التيار المستقل عن كافة التيارات , تيار الشعب الحر الذى لا يقبل التصنيف تحت أى مسمى أيا كان إلا التسمية الواجبة كمسلم وعربي
وهؤلاء هم أهل السنة الحقيقيين , جموع الشعب ذاتها , وهى التى وصفها بن تيمية بأن أهل السنة هم الذين لم يندرجوا تحت مسمى معين , المسلمون البسطاء مطبقي الفرائض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر , المطبقين لحديث النبي عليه الصلاة والسلام ( هلك المتنطعون )
هؤلاء الذين تبعهم علماء الأمة الجادين ,
فالشباب هو الذى اجتذب بعض علمائنا الكبار فتبعوهم فى مطالبهم الإصلاحية , مثل الدكتور يوسف القرضاوى وجبهة علماء الأزهر والتى خرج رموزها واستقال بعضهم من منصبهم الحكومى وهتفوا ضد النظام مع الشباب ,
والدكتور وجدى غنيم وغيرهم
فهؤلاء دعموا الشباب, فأيدوهم بكل قوة , لأن هؤلاء العلماء سبق لهم التعرض لمختلف القضايا السياسية جنبا إلى جنب مع القضايا الفقهية ,
ومن هؤلاء العلماء , من رهن عمره للإصلاح الحقيقي مثل الدكتور عبد الله النفيسي زعيم المعارضة الكويتية البارز والذى أدرك حقيقة دوره عندما رهن نفسه للتنبيه على فساد حكام المنطقة وضرورة المناداة السلمية للإصلاح بلا حدود وهو الذى قال فى محاضرة له بقطر
( ضعوا أعينكم على مصر .. فهى قائدة العالم العربي ومنها تنبع تيارات الإصلاح وهى التى صدرت الثورة والفكر )
وتحققت نبوءته التحليلية , وهذا هو الشعب العربي بأكمله يتقاطر للتغيير , وإن كان الشعب التونسي أخذ زمام المبادرة أولا ,
هذا هو المرجو من علماء الأمة , والذى نرجو أن يحرض دعاتنا السلفيون أتباعهم على فعله , وليتعلموا درس الشباب المصري والتونسي الذى أثبت حاجة هؤلاء الدعاة إلى موعظتهم


التعليقات مغلقة.